وجدت هذه الخرق الضعيفة : هذا البقاء الطويل. فإذا صار هذا التعلق البعيد سببا لحصول هذا البقاء ، فما ظنك بجوهر النفس الناطقة ، مع أنها هي الظرف والوعاء لنور الجلال ، وضوء عالم الإله.
الحجة السادسة : إنا نرى أن كل إنسان ، كان مقبلا على التعظيم لأمر الله تعالى ، والشفقة على خلق الله تعالى ، فإنه يكون عمره طويلا ، ويبقى طول عمرة مصونا عن الآفات والبليات. وكل من كان كثير الإقدام على القتل والإضرار ، فإنه يكون عمره قصيرا ، ولا بد وأن يقع في نوع من أنواع الآفات. وهذا هو الاستقراء الغالب. بل نقول : الحيوانات السليمة تطول أعمارها ، والحيوانات المؤذية تقصر أعمارها. ومعنى التعظيم لأمر الله : هو تكميل القوة النظرية التي للنفس. ومعنى الشفقة على خلق الله : تكميل القوة العملية التي للخلق. فهذا الاستقراء يدل على أن الاشتغال بتكميل هاتين القوتين يوجب إبقاء البدن بحسب الإمكان ، فلأن يوجب إبقاء جوهر النفس ، مع أن محل هاتين القوتين هو جوهر النفس كان أولى.
الحجة السابعة : إن أحوال الإنسانية على ثلاثة أقسام : فأدونها : الأحوال الجسمانية المحضة. مثل : الأبنية التي تبنى للخيرات ، كالمساجد والمدارس والخانقاهات ، وأوسطها : الأحوال التي تكون من جهة جسمانية ومن جهة روحانية [وهو الكلام. فإنه من حيث إنه صوت يتولد عن الآلات الجسمانية فهو من الجسمانيات (١)] ومن حيث إنه يدل على المعاني الروحانية النفسانية كان من الروحانيات. وأعلاها الأحوال النفسانية المحضة ، وهي العلوم الحقيقية والمعارف الصادقة.
إذا عرفت هذا فنقول : من الظاهر : أن الجسمانيات أقل قبولا للبقاء من الروحانيات. ثم إنا نرى كل ما ينسب إلى أصحاب الروحانيات من الجسمانيات ، فإنه ينتهي في البقاء إلى أقصى الغايات الممكنة. وإن شئت
__________________
(١) من (ل ، طا).