الثاني : إن العقلاء ببدائه عقولهم [يعلمون (١)] أنه ليس المبصر هو العين ، ولا السامع هو الأذن ، ولا المتكلم هو الحنجرة. بل الإنسان هو المبصر بالعين ، وهو السامع بالأذن ، وهو المتكلم بالحنجرة. فعلمنا : أنه ليس الأمر كما زعموا من أن العلم البديهي حاصل بأن الرائي هو العين ، والسامع هو الأذن. بل العلم البديهي حاصل بأن للعين اعتبارا في حصول الإبصار. فأما إنها هي المبصرة ، أو هي آلة للإبصار ، فذلك متوقف فيه إلى قيام الدليل.
والجواب عما ذكروه ثانيا من أن الآفة إذا حلت (٢) في عضو ، اختل ذلك الفعل : فهو أن نقول : كما يختل الفعل لاختلال الفاعل ، فقد يختل أيضا لاختلال الآلة ولاختلال ما يجري مجرى الشرط لحصول الفعل. فالاستدلال بما ذكرتم على كونه فاعلا : خطأ.
والجواب عما ذكروه ثالثا من أنه يلزم من أن تكون نفوس سائر الحيوانات نفوسا مجردة: من وجهين :
الأول : إنهم ما ذكروا دليلا على أنه يمتنع أن تكون نفوس الحيوانات نفوسا مجردة. ثم لا يلزم من هذا القدر ، كونها مساوية للنفوس البشرية في تمام الماهية. لأن التجرد قيد عدمي والاستواء فيه لا يوجب التماثل في تمام الماهية.
الثاني : لم لا يجوز أن يقال : نفوس سائر الحيوانات قوى جسمانية ونفوس البشر نفوس مجردة. ثم إنهما وإن كانتا مختلفين بالماهية إلا أنهما يتشاركان في بعض اللوازم والآثار. لما ثبت : أن الاستواء في الصفات والآثار ، لا يدل على التماثل في الماهية؟.
والجواب عما ذكروه رابعا من أن النفس التي هي جوهر مجرد ، يمتنع أن ترتسم فيها صورة الكرة هو أن هذا بناء على أن الإدراك لا يتم إلا بارتسام صورة المعلوم في العالم [وقد بان بطلانه. وأيضا : فهذا الإشكال وارد عليهم
__________________
(١) سقط (ل).
(٢) وقعت (م) حصلت (ط).