الفصل السابع عشر
في
بيان أن اشتغال النفوس البشرية
بالدعاء والتضرع. هل يعقل أن يكون فيه
فائدة أم لا؟
من الناس من أنكر هذه التأثيرات ، واحتج على صحّة ذلك الإنكار بوجوه :
الحجة الأولى : إن الممكنات بأسرها منتهية إلى ذات الوجود ، فإن اقتضى شيء من لوازم ذات واجب الوجود ، حدوث ذلك الشيء. وجب أن يحصل ، سواء وجد ذلك الدعاء ، أو لم يوجد. وإن لم يوجد في لوازم ذات واجب الوجود ما يوجب حصول ذلك الأثر ، لم ينتفع بالدعاء أصلا.
الحجة الثانية : إن المعترفين بنفاذ علم الله تعالى في جميع المحدثات. قالوا : ذلك الشيء إن كان معلوم الوقوع : وقع. ولا حاجة إلى الدعاء. وإن كان معلوم اللاوقوع : لم يقع. ولا فائدة في الدعاء.
الحجة الثالثة : إن مبادي حدوث الحوادث في هذا العالم ، ليس إلا العلل العالية الفلكية. فلو قلنا : إن قبل الدعاء ما كانت تلك الحوادث : توجد. وبعد الدعاء : تدخل في الوجود. لكنا قد أثبتنا للنفوس البشرية على ضعفها نوعا من التأثير في العلل العالية [وذلك بعيد جدا (١)
الحجة الرابعة : إن الأسباب العالية. إما أن يكون تأثيرها بالإيجاب [والطبع (٢)] أو بالقصد والاختيار. فإن كان الأول ، لم يكن في الدعاء فائدة.
__________________
(١) سقط (م) ، (ط).
(٢) من (ل).