النفوس الروحانية حين كانت النفوس (١) بدنية كانت تحت غبار وبخار ، فلما زال البدن أشرقت تلك النقوش ، وتجلت وتلألأت ، فحصل للنفوس المفارقة عن الأبدان ، بهذا الطريق: نوع من الكمال.
وأما أن النفوس المتعلقة بهذه الأبدان ، أقوى من تلك النفوس المفارقة من وجه آخر : فلأن آلات الكسب والطلب باقية لهذه النفوس. فهذه النفوس بواسطة الأفكار المتلاحقة ، والأنظار المتعاقبة ، تستفيد في كل يوم علما جديدا ، وبحثا زائدا.
وهذه الحالة غير حاصلة (٢) للنفوس المفارقة.
والمقدمة الثالثة : (٣) إن تعلق النفوس بأبدانها ، تعلق يشبه العشق الشديد والحب التام. ولهذا السبب فإن كل شيء يطلب تحصيله في الدنيا. فإنما يطلب ليتوصل به إلى إيصال الخير والراحة إلى هذا البدن. وإذا ثبت هذا ، فإذا مات الإنسان ، وفارقت النفس هذا البدن. فذلك الميل يبقى ، وذلك العشق لا يزول إلا بعد حين. وتبقى تلك النفس عظيمة الميل إلى ذلك البدن ، عظيمة الانجذاب إليه. لا سيما على المذهب الذي نصرناه من أن النفوس الناطقة مدركة للجزئيات. ، وأنها تبقى موصوفة بهذا الإدراك بعد موت البدن (٤)] وإذا عرفت هذه المقدمات ، فنقول : إن الإنسان إذا ذهب إلى قبر إنسان ، قوي النفس ، كامل الجوهر شديد التأثير ، ووقف هناك ساعة ، وتأثرت نفسه من تلك التربة. حصل لنفس هذا الزائر تعلق بتلك التربة. وقد عرفت : أن لنفس ذلك الميت ، تعلق بتلك التربة. أيضا. فحينئذ يحصل لنفس هذا الزائر ، الحي ، ولنفس ذلك [الإنسان (٥)] الميت : ملاقاة ، بسبب اجتماعهما على تلك التربة. فصارت هاتان النفسان شبيهتان بمرآتين ،
__________________
(١) النفس (س).
(٢) زائلة (طا).
(٣) من هنا إلى موت البدن مكرر في الفصل التاسع عشر في (م) والنسخ المشابهة لها. وبدل المقدمة الثالثة : المرتبة الثانية.
(٤) موتها (م) ومن المقدمة الثانية إلى هنا : مكرر في الفصل التاسع عشر.
(٥) من (س)