الفصل العشرون
في
نسبة الأعضاء والقوى إلى جوهر النفس
اعلم : أن الحكماء ذكروا في هذا الباب أمثلة كثيرة.
فالمثال الأول : هو أن جوهر النفس كالملك ، والبدن كالمملكة له. ولهذا الملك جندان: جند يرى بالبصر [وهو : الأعضاء الظاهرة والباطنة : وجند يرى بالبصيرة (١) وهو القوى المركوزة في تلك الأعضاء.
واعلم : أن لوجود هذه القوى معونة في تكميل مصالح النفس تارة ، وفي تكميل مصالح البدن أخرى.
أما النوع الأول من المعونة : فهو أن كمال النفس الناطقة في أن تعرف الحق لذاته ، والخير لأجل العمل به. لكن عمل الخير مشروط بتقدم العرفان ، ولكنها خلقت في أول الفطرة خالية عن معرفة أكثر الأشياء ، فأعطيت الحواس الظاهرة والباطنة ، حتى أن النفس إذا أحسست بالمحسوسات ، تنبهت لمشاركات بينها ، ومباينات. فيتميز عند الحس (٢) ما به حصلت المشاركة من الأشياء ، عما به حصلت المباينة بينها. ثم إن تلك الصور على قسمين:
منها : ما يكون مجرد تصوراتها ، موجبا جزم الذهن بإسناد بعضها إلى
__________________
(١) سقط (ل).
(٢) النفس (م).