الفصل الرابع
في
ذكر الدلائل الدالة على ثبوت
هذا القسم من الموجودات على سبيل الاجمال
اعلم : أنا قد استقصينا في إثبات هذا المطلوب في أول كتاب «تنزيه الله تعالى» ولا بأس بإعادة بعض الدلائل هاهنا :
الحجة الأولى : إنا أقمنا الدلائل القاهرة في كتاب «الزمان والمكان» على أن المدة : موجود من الموجودات. ثم بينا : أنه لا يجوز أن تكون المدة عبارة عن مقدار الحركة الفلكية. وبينا : أن المدة جوهر قائم بذاته (١) غني عن وجود الحركة ولواحقها. ثم إنا نعلم : أن ذلك الجوهر يمتنع أن يكون جسما ، لأن كل ما كان جسما فإنه يكون قريبا ، من جسم ، وبعيدا من جسم آخر. وبديهة العقل شاهدة بأن نسبة المدة إلى جميع الأشياء على السوية. ويمتنع أن يقال : إن هذه النسبة قريبة من فلان ، وبعيدة من فلان آخر. وعند هذا ينعقد قياس من الشكل الثاني ، وهو أن كل ما كان مدة ، فإن نسبته إلى جميع الأجسام بالقرب والبعد على السوية ، ولا شيء مما يكون جسما كذلك. ينتج : فلا شيء من المدة بجسم. فثبت : أن المدة : جوهر. وثبت : أنه ليس بمتحيز ، فهو جوهر مجرد ، مغاير للجسم ، وغير حال فيه. وهو مطلوب.
وهذا المطلوب إنما يتم بالبناء على أصلين :
__________________
(١) بنفسه (م)