الأول : إن الإشارة لا تتناول إلا المرئي الحاضر. وأما النطق فإنه يتناول المعدوم ، ويتناول ما لا تصلح الإشارة إليه. ويتناول ما تصح الإشارة إليه أيضا.
والثاني : إن الإشارة عبارة عن تحريك الحدقة إلى جانب معين. فالإشارة نوع واحد أو نوعان. فلا تصلح لتعريف الأشياء المختلفة ، بخلاف النطق. فإن الأصوات والحروف البسيطة والمركبة كثيرة.
والثالث : (١) إنه إذا كانت الأصوات والحروف إشارة إلى شيء ، فلا بد أن ذلك الشيء قامت به صفات كثيرة ، فلا يعرف بسبب تلك الإشارة : أن المراد تعريف الذات وحدها ، أو الصفة الثانية (٢) أو الصفة الثالثة. أو الرابعة ، أو المجموع؟ أما النطق فإنه واف بتعريف كل واحدة من هذه الأحوال بعينها.
والقسم الثالث : الكتابة. وظاهر أن المئونة في إدخالها في الوجود صعبة ، ومع ذلك فإنها مفرعة عن النطق. وذلك لأنا لو افتقرنا إلى أن نضع لتعريف كل معنى من المعاني البسيطة والمركبة : نقشا ، لافتقرنا إلى حفظ نقوش غير متناهية ، وذلك غير ممكن. فدبروا فيه طريقا لطيفا : وهو أنهم وضعوا بإزاء كل واحد من الحروف النطقية البسيطة نقشا خاصا. ثم جعلوا النقوش المركبة في مقابلة الحروف المركبة. فسهلت المئونة في الكتابة بهذا الطريق. إلا أن على هذا التقدير صارت الكتابة مفرعة على النطق ، إلا أنه حصل في الكتابة منفعة عظيمة. وهي أن عقل الإنسان الواحد يفي باستنباط العلوم الكثيرة. فالإنسان الواحد إذا استنبط مقدارا من العلم ، وأثبته في الكتاب بواسطة الكتابة ، فإذا جاء بعده إنسان آخر ، ووقف عليه ، قدر على استنباط أشياء أخر زائدة على
__________________
(١) عبارة غير (م) والثالث : إنه إذا أشار إلى شيء. فذلك الشيء ذات ، قامت بها صفات كثيرة ، فلا يعرف ... إلخ.
(٢) الفلانية (طا ، ل).