الفصل الثاني والعشرون
في
بيان أن اللذات العقلية
أشرف وأكمل من اللذات الحسية
اعلم (١) أن الغالب على الطباع العامية : [الحكم (٢)] بأن أقوى اللذات ، وأكمل السعادات : لذة المطعم والمنكح. ولذلك فإن جمهور الناس لا يعبدون الله تعالى إلا ليجدوا المطاعم اللذيذة في الآخرة ، وإلا ليجدوا المناكح الشهية [هناك (٣)].
وهذا القول مرذول عند المحققين من أهل الحكمة ، وأرباب الرياضة. ويدل عليه وجوه :
الحجة الأولى : لو كانت سعادة الإنسان متعلقة بقضاء الشهوة ، وإمضاء الغضب. لكان الحيوان الذي يكون هو أقوى في هذا الباب من الإنسان : أشرف منه. لكن الجمل أكثر أكلا من الناس ، والذئب أقوى في الإيذاء من الإنسان. والعصفور أقوى على السفاد من الإنسان ، فوجب كون هذه الأشياء أشرف من الإنسان. لكن التالي معلوم البطلان بالضرورة ، فوجب الجزم بأن سعادة الإنسان غير متعلقة بهذه الأمور.
الحجة الثانية : كل شيء يكون سببا لحصول الكمال والسعادة. فكل ما
__________________
(١) في (ل) عنوان الفصل هو : في بيان أن اللذات الحسية ليست من الكمالات.
(٢) سقط (طا ، ل).
(٣) من (ل).