الفصل الثالث والعشرون
في
البحث عن نفوس سائر الحيوانات
أما الفلاسفة المتأخرون فقد اتفقوا على أنها قوى جسمانية ، وأنه يمتنع أن يكون لها نفوس مجردة. ولم يذكروا في تقرير هذا حجة ولا شبهة. وليس لأحد أن يقول : لو كانت نفوسها نفوسا مجردة ، لوجب كونها مساوية للنفوس البشرية في تمام الماهية. ويلزم وقوع الاستواء في العلوم والأخلاق ، وذلك محال.
فإنا نقول : الاستواء في التجرد (١) استواء في قيد سلبي. وقد عرفت أن الاستواء في القيود السلبية لا يوجب الاستواء في تمام الماهية. وأما سائر الناس. فقد اختلفوا في أنه : هل لها نفوس مجردة؟ وهل لها شيء من القوى العقلية أم لا؟ فزعمت طائفة من أهل النظر (٢) ومن أهل الأثر : أن ذلك ثابت. واحتجوا على صحته بالمعقول والمنقول. أما المعقول فهو أنهم قالوا : إنا نشاهد من هذه الحيوانات أفعالا لا تصدر إلا من أفاضل العقلاء ، وذلك يدل على أن معها قدرا من العقل. وبينوا ذلك بوجوه :
الأول : إن الفأرة تدخل [ذنبها (٣)] في قارورة الدهن ، ثم تلحسه. وهذا الفعل لا يصدر إلا لعلمها بمجموع مقدمات :
__________________
(١) في عدم التحيز (م).
(٢) العلم (م).
(٣) سقط (طا).