الفصل الثاني
في
الطرق الدالة على إثبات الجن والشياطين
اعلم : أنا بينا : أنه لم يوجد دليل يدل على نفيهم (١) وفساد القول بهم. وظاهر أيضا : أنه لم يوجد دليل عقلي يوجب الجزم بوجودهم. فيبقى الكلام فيهم في حيز التوقف. إلا أنا رأينا الأنبياء ـ عليهمالسلام ـ مطبقين على إثباتهم ، وعلى القول بوجودهم ـ وذلك حجة قوية من المقدمات المقبولة ـ ورأينا المعزمين مطبقين متفقين على وجودهم ، حتى وضعوا لكل رئيس من رؤسائهم : عزيمة معينة. وزعموا : أنهم ينتفعون بهم ، ويجدون منهم آثارا صالحة. ورأينا أكثر الزهاد وأرباب المجاهدات والمكاشفات ، يزعمون : أنهم شاهدوا الجن ، وتكلموا معهم. فإن اتفق لإنسان أن يعتبر هذه الأحوال ، ويشاهد شيئا منها ، فذاك هو البغية الأسنى ، والمقصد الأقصى.
ومن الناس من يحتج عليهم بوجوه أخرى :
الحجة الأولى : إن الإنسان إذا ألف الخلوة والوحدة ، واشتغل بالتصفية والرياضة ، وجد في نفسه ، كأن مناجيا يناجيه بكلمات مرتبة منظومة معلومة ، ورأى أشخاصا موصوفة بصور مخصوصة وصفات مخصوصة. فنقول : هذه الكلمات وهذه الأشخاص. إما أن تكون عدما محضا ونفيا صرفا ، وإما أن
__________________
(١) نفيها (م).