الفصل الثالث
في
البحث عن حقيقة الالهام
والوسوسة واستقصاء القول فيهما
اعلم : أن الأفعال الإنسانية لها مبادي ثلاثة ، مرتبة بعضها على بعض. فأعلاها وأبعدها عن وقوع الفعل : العلم والإدراك. وذلك لأنه ما لم يقع في قلبه : أن الفعل الفلاني راجح [النفع ، أو خالص النفع ، فإنه لا يفعله. وما لم يقع في قلبه أن الفعل الفلاني راجح الضرر (١)] أو خالص الضرر أو معادل الضرر ، فإنه لا يتركه. وقد بالغنا في تقرير هذه القاعدة في باب «الدواعي والصوارف» من هذا الكتاب. ولأجل أن الإنسان لا يفعل فعلا ، إلا لطلب الخير ، سمي هذا الفاعل فاعلا مختارا. والمرتبة الثانية ـ وهي المرتبة المتوسطة ـ أنه إذا حصل اعتقاد النفع الخالص أو الراجح ، ترتب عليه على سبيل اللزوم : حصول ميل قوي متأكد [في الفعل. وإذا حصل اعتقاد الضرر الخالص أو الراجح ترتب عليه على سبيل اللزوم حصول ميل قوي متأكد في الترك (٢)].
والمرتبة الثالثة ـ وهي المرتبة الأخيرة القريبة المتصلة بالفعل ـ أن الأعضاء إذا كانت سليمة قوية على الفعل والترك. فإذا انضم ذلك الميل المتعين إلى تلك القدرة القائمة بالعضو ، صار مجموع ذلك الميل وتلك القدرة : مؤثرا في حصول الفعل وهذا كلام ملخص معلوم قد سبق تقريره في باب الدواعي والصوارف».
__________________
(١) من (طا ، ل).
(٢) العبارة من (طا ، ل).