الفصل الأول
في
اقامة الدلالة على أن
الأفلاك والكواكب : أحياء ناطقة
اعلم : أن أهل الظاهر إذا سمعوا هذا الكلام استبعدوه. وهذا الاستبعاد مستبعد منهم جدا. وذلك لأنهم يروون خبرا (١) عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، أنه قال : «إن الشمس عند الغروب ، يذهب بها ، إلى ما تحت العرش ، وعند الطلوع تسجد لله تعالى سجدة ، ثم تطلع» ومعلوم أن السجود لا يصح منها إلا إذا كانت عارفة بربها. وذلك يقتضي إثبات الحياة والقدرة والعلم ، فوجب بمقتضى هذا الخبر : كون الشمس حيوانا مطيعا لله عزوجل. وسنذكر في فصل مفرد : أن الآيات الكثيرة من القرآن تدل على أن الأمر كذلك. إذا عرفت هذا فنقول : اختلف أهل البحث والنظر فيه :
أما الفلاسفة : فقد أطبقوا على أن الأفلاك والكواكب : أحياء عاقلة.
__________________
(١) إن هذا الخبر تصوير لحالة خضوعها لله تعالى. ولا يدل على أن الأفلاك والكواكب : أحياء ناطقة. وإنما يدل على ما يدل عليه قوله تعالى : (فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ : ائْتِيا ـ طَوْعاً أَوْ كَرْهاً ـ قالَتا : أَتَيْنا طائِعِينَ) [فصلت ١١] وقول الله تعالى لهما فيه وجهان. أحدهما : أنه قول تكلم به. والثاني : أنها قدرة منه ظهرت لهما ، فقامت القدرة مقام الكلام في بلوغ المراد «وقالتا : أتينا طائعين» فيه أيضا وجهان. أحدهما : أنه ظهور الطاعة منهما حيث انقادا وأجابا ، فقام مقام قولهما. والثاني : بل خلق الله فيهما الكلام ، فتكلمتا كما أراد تعالى [انظر تفسير القرطبي] والصحيح : أن نقول : ليست الأفلاك والكواكب أحياء ناطقة ، لتنتفي شبه العابدين للقمر والكواكب. فإنهم يدعون أن للقمر والكواكب حياة كحياة البشر ، وإذا كانت الآيات تحتمل أكثر من معنى ، فالمعنى المناسب لعظمة الله أحق بالقبول من غيره.