مختلفة. فإذا اختلفت تلك التصورات ، اختلفت تلك الإرادات. فظهر الفرق بين الصورتين. فهذا هو الحجة البرهانية في المسألة. وما سواها وجوه إقناعية. وما بها بأس.
الحجة الثانية : إنا رأينا أن أكثف الأجسام وأشدها ظلمة هو الأرض. فلا جرم كانت في غاية البعد عن قبول الحياة. فلما امتزجت بسائر العناصر ، حصل فيها نوع من اللطافة والاعتدال. وبسبب حصول ذلك القدر من اللطافة والاعتدال استعدت لقبول قوة الحياة. ثم إن الماء ألطف من الأرض ، فلا جرم صارت الطبيعة المائية ، أقرب إلى قبول الحياة من الطبيعة الأرضية. ولهذا السبب فإنه أينما حصل الماء وامتزج بالأرض ، تولد منه أنواع النبات وأنواع الحيوان.
وأما الهواء فإنه أرق من الماء وألطف منه ، فلذلك صار مادة للحياة ، حتى أن قوما ظنوا أنه لا معنى للروح والنفس إلا هذا الهواء المتردد.
وأما النار الصرفة البسيطة الجارية مجرى الحرارة الغريزية ، فلا شك أنها هي السبب الكامل لحصول الحياة. ولذلك قالت الأطباء : أن القوة الحيوانية والحرارة الغريزية متلازمتان. فهذا الاستقراء يدل على أن الجسم كلما صار أبعد عن الكثافة العنصرية ، وأقرب إلى اللطافة ، والحرارة المعتدلة : صار أولى بقبول الحياة. ومعلوم : أن الأجرام الفلكية في غاية اللطافة والشفافية ، والنور والاعتدال. فوجب أن تكون تلك الأجسام ، أولى الأجسام بقبول الحياة والإدراك.
الحجة الثالثة من الوجوه الإقناعية : إن النفس الحيوانية لها قوتان : قوة الحس ، والحركة الإرادية.
أما قوة الحس : فإنها تحصل بواسطة أجرام لطيفة نورانية ، تنزل من القلب والدماغ في الشرايين والأعصاب ، فتفيدها قوة الحس والحياة. فذلك