السموات : أن بحركاتها تنتظم مصالح هذا العالم. وهي المبادي لحدوث الصور والأعراض في هذا العالم. ثم قد ثبت في أول العقل : أن كل كمال حصل في معلول عن علة ، فتلك العلة بذلك الكمال أولى من ذلك المعلول. ولا شك أن الحياة والإدراك والعلوم كمالات ، فوجب أن تكون الأجرام الفلكية أولى بهذه الكمالات من هذه الأجسام الرخوة الخسيسة. والذي يزيل الشبهة عن هذا الباب : أن من مارس علم الأحكام ، ووقف على أسرارها : علم أنه متى وقع كوكب من الكواكب المناسبة لحالة من الأحوال ، في موضع قوي مناسب من طالع مولد إنسان. فإن ذلك الإنسان يصير وحيد عصره ، وفريد دهره في تلك الحالة. فإذا كان هذا التعلق البعيد لتلك الكواكب بهذه الأجرام الرخوة ، يوجب الكمال. فالقول بأن تلك الذوات المقدسة النيرة الطاهرة الشريفة ، أولى بهذه الكمالات مما ينادى [بصحته (١)] صريح العقل ، وأصل الفطرة.
الحجة السابعة : قال صاحب كتاب «إخوان الصفاء» : «إنه سبحانه وتعالى ما ترك قعور البحور مع شدة ملوحتها إلا وخلق فيها أجناسا من الحيوان ، وأنواعا من السمك والحيتان ، وما ترك جو الهواء فارغا خاليا ، حتى خلق فيه أجناسا من الطير يسبح فيها ، كما يسبح السمك في الماء. وما ترك هذه المفاوز اليابسة ، وهذه الجبال الحجرية الصلدة ، حتى خلق فيها أجناسا من الوحوش والحشرات ، وما ترك شطوط الأنهار وبطون الأودية ، حتى ملأها من الحيوانات الخسيسة ، كالبق والبعوض والديدان والذباب. وما ترك لب النبات وثمر الشجر ، وداخل الحب ، إلا وملأها من الحيوانات. فكيف يليق بحكمته أن يترك هذه الأفلاك المضيئة المشرقة الواسعة ، مع شدة مناسبتها للحياة : خالية عن الحياة والإدراك والشعور : بل الحق هو ما ذكره صاحب الشريعة الحقة. وهو قوله عليهالسلام : «أطّت السماء ، أطا ، وحق لها أن تئط. فما منها موضع شبر إلا وفيه ملك قائم أو قاعد أو راكع أو ساجد».
__________________
(١) من (م).