الحجة الثامنة : أطبق جمهور العقلاء : على أن السموات منازل الملائكة ومساكنهم. ولا شك أن الملائكة ليسوا أجساما كثيفة ـ على ما ستأتي براهين ذلك ـ فوجب كونها أرواحا مدبرة لتلك الأجساد ، فتكون الأفلاك بالنسبة إليها ، كالأجساد بالنسبة إلى الأرواح ، وتكون الكواكب بالنسبة إليها ، كالقلوب. وهذا تمام ما أردنا ذكره في هذا الباب.
واحتج المانعون من كون الأفلاك أحياء عاقلة بوجهين :
الأول : إن هذه الأفلاك والكواكب تتحرك على نهج واحد ، لا يتغير البتة. والمتحرك بالإرادة لا يكون كذلك.
الثاني : إن جرم الشمس في غاية السخونة ، ولما كانت السخونة النارية مانعة من الحياة ، فالسخونة العظيمة التي في جرم الشمس أولى أن تكون مانعة من الحياة.
والجواب عن الحجة الأولى من وجوه :
الأول : إنه حق (١) أن كل ما كان طبيعيا ، فإنه يبقى على نهج واحد ، لكن لا يلزم منه أن كل ما بقي على نهج واحد ، فإنه يكون طبيعيا. لما ثبت : أن الموجبة الكلية لا تنعكس كنفسها.
والثاني : إن محرك هذه الأفلاك هو الله تعالى عند الكل ، فهي حركات صادرة عن الفاس المختار ، مع أنها باقية على نهج واحد ، فلم لا يجوز أن يكون الأمر كذلك ، مع أنها صادرة عن إرادة ذلك الفاعل (٢)؟.
والثالث : إن المريد إذا فعل فعلا مخصوصا ، فإنما فعل ذلك الفعل ، لأجل حصول تلك الإرادة [فلو قدرنا بقاء تلك الإرادة (٣)] بحالها ، لوجب بقاء
__________________
(١) الأولى : قوله أن كل ما ... الخ (م).
(٢) الفلك (م).
(٣) سقط (طا).