يجب أن يكون صاحب الإدراكات الجزئية. لكن لم قلتم : إن صاحب الإدراكات الجزئية. يجب أن يكون قوة جسمانية؟ فإنا بينا في المقالات السالفة : أن المدرك للكليات والجزئيات هو النفس. ولنذكر هاهنا وجوها.
الأول : إن غرض النفس عندكم من تحريك الفلك هو التشبه بالعقل ، على ما سيأتي تفسير هذا التشبه. وإرادة التشبه بالغير ، مشروطة بمعرفة صفة ذلك الغير ، فوجب أن تكون النفس المحركة لجسم السماء ، عالمة بالعقل المجرد. فثبت : أن الشيء الذي يباشر تحريك جسم الفلك ، هو الذي يكون مدركا لذلك العقل المجرد. [ولكمالاته. وإدراك المجردات لا يصح إلا من الجوهر المجرد (١)] فيلزم : أن تكون النفس الفلكية لكونها صاحبة الإدراكات الجزئية : قوة جسمانية ، ولكونها مدركة للعقل المجرد : جوهرا مجردا. فالشيء الواحد جسماني ومجرد. وذلك باطل قطعا.
واعلم أنه لا خلاص عن هذا الكلام ، إلا بالقدح في إحدى مقدمات ثلاث : إما أن يقولوا : صاحب الإدراكات الجزئية ، لا يجب أن يكون جسمانيا ، أو يقولوا : ليس الغرض للنفس من تحريك الفلك هو التشبه بالعقل ، أو يقولوا : القوة الجسمانية يصح عليها إدراك المجردات. [وأي واحد (٢)] من هذه الثلاثة ، قالوا به : فقد تركوا أصلا من أصولهم المشهورة ، وقاعدة من قواعدهم المعتبرة.
الثاني : إنا نعلم بالضرورة : أنه يمكننا أن نقول : «زيد إنسان» والحاكم بهذا الحكم يجب أن يكون مدركا لزيد ، من حيث إنه هو. وللإنسان الذي هو مفهوم كلي. وإلا لحصل التصديق من غير تصور. وهو محال. لكن صاحب الإدراكات الكلية : هو النفس المجردة. فوجب أن يكون صاحب الإدراكات الجزئية أيضا : هو النفس. وإذا كان كذلك. فحينئذ يبطل قولهم : إن صاحب الإدراكات الجزئية يجب أن يكون قوة جسمانية.
__________________
(١) سقط (م) ، (ط).
(٢) وشيء (م).