الفصل الثالث
في
تعديد مذاهب الناس في السبب
الموجب ، لكون الفلك متحركا بالاستدارة
الناس فريقان : منهم من يقول : إنه يتحرك حركة مستديرة على سبيل الطبيعية. ومنهم من يقول : إنه يتحرك حركة مستديرة بالقصد والإرادة.
أما الذاهبون إلى القول الأول. فقد ذكروا فيه وجوها كثيرة. فالقول الأول قول من يقول : ثبت بالدليل وجود خلاء خارج العالم ، لا نهاية له. والجسم الثقيل الذي لا علاقة فوقه ، ولا دعامة تحته ينزل. والجسم النازل بهذه الصفة ، لا بد وأن يستدير على نفسه حال نزوله. فسبب كون الفلك متحركا بالاستدارة ، هذا المعنى.
واعلم : أن بناء هذا المذهب على مقدمات :
إحداها : إثبات الخلاء. وأنه لا نهاية له خارج العالم. وقد عرفت الكلام فيه.
والثانية : إن أجرام الأفلاك ثقيلة.
وقد دللنا فيما تقدم على فساد هذا الرأي.
والثالثة : إنا قد بينا : أن الخلاء المتشابه الذي لا نهاية له ، لا يتميز فيه جانب عن جانب بشيء من الخواص ، فلم يكن كون بعضها فوقا ، وبعضها تحتا ، أولى من العكس. وإذا تساوت الجهات في جميع الصفات ، امتنع أن يقال : إن الفلك ينزل من جانب إلى جانب آخر نزولا أبديا.