واحدة من شعرات لحيته ، وعبثه بتبنة يأخذها من الطريق من غير غرض صحيح ، ويعبث بها. فهذه حركات إرادية ، مع أنه ليس فيها أغراض صحيحة. وأيضا : النائم ينقلب من أحد جنبيه إلى الثاني ، فتلك الحركة : حركة إرادية ، وليس فيها أغراض معينة. لأن النوم ضد العلم ، وعند عدم العلم ، لا يبقى الغرض.
وأيضا : الجائع إذا وضع عنده رغيف ، فإنه يبتدئ بكسر جانب معين منه ، دون سائر الجوانب. لا لغرض يتعلق بذلك الجانب بعينه.
والجواب : أما العبث. فنقول : إن القوة المحركة لها مراتب :
فالمرتبة القريبة هي القوة المركوزة في الأوتار والعضلات : وهي صالحة للفعل ولضده ، وما دامت هذه الصلاحية من الجانبين باقية ، امتنع أن تصير مصدرا للفعل المعين. فإذا انضاف إليها ميل جازم ، حصل الرجحان. وذلك الميل مرتب على أن يعتقد الإنسان أن له في ذلك الفعل مصلحة ومنفعة. فإذا حصل هذا الاعتقاد ، حصل الميل. وليس من شرط ذلك الاعتقاد : أن يكون مطابقا [بل سواء كان مطابقا (١)] أو لم يكن. فإنه إذا حصل الاعتقاد الجازم ، ترتب عليه الميل. وأيضا : فتلك المنفعة قد تكون منفعة خسيسة ، وهي نفس التذاذه بذلك الفعل ، وقد تكون منفعة شريفة تحصل بها آثار كاملة ، ونتائج شريفة.
إذا عرفت هذا فنقول : المقدم على الفعل العبثي إنما يقدم عليه ، لو انضاف إلى القوة العضلية تلك الإرادة المترتبة على ذلك الاعتقاد. ومعلوم أن ذلك الاعتقاد يكون مقدّرا بمقدار معين ، وتلك الإرادة أيضا محدودة بحد معين فمجموع تلك القدرة مع تلك الإرادة ، ومع ذلك التصور ، يوجب تلك الحركة المقدرة بالمقدار المخصوص. فذلك المجموع له في ذلك الفعل غاية معينة [وهي الانتهاء إلى ذلك الحد المعين. فالحركة حصلت لها هاهنا غاية معينة] (٢).
__________________
(١) سقط (ط).
(٢) سقط (م) ، (ط).