غيره؟ فنقول : فإذا جاز هذا ، فقولوا : إن هيولى كل فلك مستلزمة لذاتها ، حصول ذلك النوع من الحركة. فلهذا السبب وقعت تلك الحركة ، دون سائر الحركات. وعلى هذا التقدير، فيبطل كل ما ذكرتموه.
الحجة الثانية : إن الحركة من المشرق إلى المغرب كما أنها تفيد إخراج الأيون والأوضاع من القوة إلى الفعل ، فكذلك الحركة المضادة لها ، تفيد هذا المقصود. وإذا كان جميع أنواع الحركات يفيد هذا المقصود ، لم يكن بعضها أولى من بعض ، ولا يمكن الجمع بينهما. فلم يبق إلا تركها [بأسرها (١)] فما ذكرتموه يوجب نفي الحركة ، لا حصولها.
الحجة الثالثة : إنا لو فرضنا إنسانا أخذ يعدو في [جميع (٢)] مشارق الأرض ومغاربها. ويقول : لا غرض لي في هذه الحركة : إلا إخراج الأيون والأوضاع من القوة إلى الفعل ، لقضى كل عاقل عليه بالجنون. فإن قالوا : الفرق بين البابين : أن هذا الإنسان خالي عن أكثر الكمالات المهمة ، فكان اشتغاله باستخراج الأيون والأوضاع ، مانعا له من تلك الكمالات ، بخلاف الفلك فإنه كامل في جميع الصفات ، إلا في هذا المعنى ، فكان اشتغاله بتحصيلها كمالا ، بالنسبة إليه.
قلنا : أنتم ما ذكرتم برهانا يقينيا في أن نفس الفلك وجسده كاملة في جميع الصفات، إلا في هذا المعنى. فكان كلامكم باطلا. بل قد بينا : أنه لا يمتنع أن يكون مقصوده من هذه الحركة : سائر الوجوه التي عددناها.
الحجة الرابعة : وهي إن استخراج الأيون والأوضاع. إما أن يكون كمالا ، لا يصلح أن يكون مقصودا للعاقل ، وإما أن لا يكون. فإن كان الأول وجب أن يكون مقصود الفلك من الحركة : نفس الحركة. ولو كان الأمر كذلك ، لبطل قولكم : إن مقصود الفلك من الحركة التشبه بالعقل المفارق. وإن كان الثاني ، وهو أن هذه الاستخراجات أمور لا تصلح أن تكون مطلوبة
__________________
(١) سقط (طا ، ل).
(٢) من (ط).