وهما النور والظلمة. وهما جوهران حساسان مختاران قادران ، متضادان في النفس والصورة ، مختلفان قادران ، في الفعل والتدبير. فجوهر النور فاضل خير نقي طيب الريح كريم النفس ، يسر (١) ولا يضر ، وينفع ولا يمنع ، ويحيى (٢) ولا يبلى. وأما جوهر الظلمة فهو على ضد ذلك. ثم إن جوهر النور لم يزل يولد الأولياء. وهم الملائكة ، لا على سبيل التناكح ، بل على سبيل تولد الحكمة من الحكيم ، والضوء من المضيء. وجوهر الظلمة لم يزل يولد الأعداء [وهم الشياطين (٣)] لا على سبيل التناكح ، بل على سبيل تولد السفه من السفيه. فهذه الأقوال الثلاثة هي أقوال من جعل الملائكة أشياء متحيزة جسمانية.
والقسم الثاني : وهو ان الملائكة ذوات قائمة بأنفسها. وليست متحيزة ولا حالة في المتحيزات ، ففيه (٤) قولان :
الأول : قول طوائف من النصارى : وهو أن الملائكة في الحقيقة : هي الأنفس الناطقة ، المفارقة لأبدانها مع الصفاء والخيرية. وذلك لأن هذه النفوس المفارقة ، إن كانت صافية خيرة ، فهي الملائكة. وإن كانت خبيثة كدرة ، فهي الشياطين.
والثاني : وهو قول جمهور الفلاسفة : إن الملائكة عبارة عن جواهر مجردة عن الجسمية وعلائقها. وإنها بالماهية مخالفة للنفوس البشرية [ولا نسبة لعلومها إلى علوم النفوس البشرية الناطقة ولا لقدرها إلى قدر النفوس الناطقة البشرية. وأنها أكمل منها قوة وأكثر علما. وأنها بالنسبة إلى النفوس البشرية جارية مجرى الشمس بالنسبة (٥)] إلى الضوء القليل ، والبحر الأعظم بالنسبة إلى القطرة. ثم إن هذه الجواهر على قسمين : منها ما هي مستقلة بتدبير أجسام الأفلاك
__________________
(١) ييسر ولا يعسر (م).
(٢) ويحيى الذليل (ل).
(٣) سقط (ل).
(٤) المتحيزات. وعلى هذا التقدير ففيه [الأصل].
(٥) من (طا ، ل).