المنكسرة قلوبهم لأجلي» وهذا أكثر إشعارا بالتعظيم ، لأن هذا الخبر يدل على أنه سبحانه عند هؤلاء المنكسرين. والآية التي تمسكتم بها : تدل على أن الملائكة عند الله. ولا شك أن كون الله عند العبد ، أدخل في التعظيم من كون العبد عند الله.
أما الاعتراض على الوجه الثاني : فهو أن نقول : لا نزاع في أن الملائكة أشد قدرة وقوة من البشر ، ويكفي في صحة هذا الدليل : هذا القدر من التفاوت. فإنه يقال : إن الملائكة ، مع شدة قوتهم واستيلائهم على أجرام السموات والأرض ، وأمنهم من الضعف والعجز [والهرم والمرض وطول أعمارهم (١)] لا يتركون العبودية لحظة واحدة. فالبشر مع نهاية ضعفهم [مع ما يصيبهم من الأمراض والآفات (٢)] أولى أن لا يتمردوا. فهذا يدل على أن الملائكة أكثر قوة من البشر [وهذا القدر كاف في صحة الاستدلال. ولا نزاع في حصول التفاوت في هذا المعنى (٣)] أما لم قلتم : إن ذلك يدل على أن الملائكة أفضل من البشر؟.
والجواب عن الأول : أن نقول : إن قوله : «أنا عند المنكسرة قلوبهم لأجلي» مشعر بأن المراد بتلك العندية : الحفظ والحراسة والرحمة. فإن السلطان إذا قال يا مسكين أنا معك. فهم كل أحد منه : أن المراد أن لا يهمله ولا يضيع مهمه. أما إذا قيل لبعض الأكابر أو العظماء : إنه من المقربين عند السلطان. فإنه يفهم منه كمال الدرجة والمنقبة. فعلم أنه لا تعلق لأحد البابين بالآخر.
والجواب عن السؤال الثاني : إن الاستدلال بأفعال الملائكة إنما يتم إذا قلنا : الملائكة موصوفون بالكمال في القوة والقدرة والعلم. لأنهم لو لم يكونوا أعلم من البشر ، لم يكن فعلهم حجة على البشر لأن فعل الجاهل لا يمكن جعله حجة على العالم.
__________________
(١) من (طا ، ل).
(٢) من (طا ، ل).
(٣) من (طا ، ل).