فثبت : أن ذلك الاستدلال ، لا يتم إلا إذا كانت الملائكة زائدين على البشر [في قوة الإدراك ، وفي قوة العمل. ولا معنى للفضيلة إلا هذا. فإذا ثبت كونهم زائدين على البشر (١)] فقد ثبت أنهم أفضل من البشر.
الحجة الثانية : طاعات الملائكة أدوم ، فكانت أفضل بيان الأول وهو أنها أدوم : قوله تعالى : (يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ) (٢) وعلى هذا التقدير ، فلو كانت أعمارهم مساوية لأعمار البشر ، لكانت طاعتهم أدوم. وأما أنه لا نسبة له ، إلى طاعات البشر. فكيف ، ولا نسبة لعمر كل البشر إلى عمر الملائكة.
وبيان أنها لما كانت أفضل : لأن الفضيلة ليست إلا في الاستغراق في عبودية الله ، والمواظبة على ذكره ، والابتهاج بمحبته. فإذا كانت هذه المعاني في حقهم أدوم ، وجب أن تكون فضائلهم أكثر. ويؤكده قوله عليهالسلام : [«أفضل العباد من طال عمره ، وحسن عمله» والملائكة (٣)] أطول العباد عمرا وأحسنهم عملا ، فوجب أن يكونوا أفضل العباد. ولأنه عليهالسلام قال : «الشيخ في قومه ، كالنبي في أمته» وهذا يقتضي أن تكون الملائكة بالنسبة إلى البشر ، كالنبي بالنسبة إلى القوم (٤) وذلك يوجب فضلهم على البشر.
الحجة الثالثة : إنهم أسبق السابقين في خصال الخير ، فوجب أن يكونوا أفضل من غيرهم.
بيان الأول : إنه لا خصلة من خصال الدين ، إلا وهم أئمة متقدمون فيها ، بل هم العامرون لطرق الدين ، لأنهم كانوا موجودين قبل أولاد آدم بل قبل آدم بأعصار عظيمة ، وأدوار متباعدة ، وكانوا من أول العمر مواظبين على الطاعات والمعارف.
__________________
(١) سقط (م) ، (ط).
(٢) الأنبياء ٢٠.
(٣) سقط (طا ، ل).
(٤) الأمة (م).