بيان الأول : إنهم مبرءون من الزلات ، ومن الميل إليها ، لأن خوفهم دائم. قال تعالى: (يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ) (١) وإشفاقهم دائم. قال تعالى : (وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ) (٢) والخوف والإشفاق ينافيان العزم على المعصية.
وأما الأنبياء عليهمالسلام : فلم يخل واحد منهم عن نوع زلة. قال عليهالسلام : «ما منا إلا من عصى ، أو هم بمعصية ، غير يحيى بن زكريا» فيثبت : أن تقوى الملائكة أكمل فوجب أن يكونوا أفضل. لقوله تعالى : (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ) (٣) رتب مزيد الكرامة ، على مزيد التقوى ، فوجب أن يكون مزيد التقوى علّة لمزيد الكرامة ، فأينما حصل مزيد التقوى ، وجب أن يحصل مزيد الكرامة.
الحجة السادسة : قوله تعالى : (لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ) (٤) فقوله : (وَلَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ) : مذكور في معرض الاحتجاج. يعني : أن الملائكة لما لم يستنكفوا. فبأن لا يستنكف المسيح أولى. وهذا الاستدلال إنما يتم إذا كانت الملائكة أفضل من المسيح. فإن قالوا (٥) : لم لا يجوز أن يكون المراد [من هذا (٦)] أن الملائكة مع قدرهم القاهرة الغالبة ، لما لم يستنكفوا عن عبادة الله تعالى ، فبأن لا يستنكف المسيح عنها ، مع ضعفه كان أولى؟.
فنقول : هذا كما يدل على أن الملائكة أعلى من البشر في القوة والقدرة ، فكذلك يدل على أنهم أعلى من البشر في العلم. وإلا فالاستدلال بفضل الجاهل على العالم لا يصح. فلما صح هذا الاستدلال ، وجب كون الملائكة
__________________
(١) النحل ٥٠.
(٢) الأنبياء ٢٨.
(٣) الحجرات ١٣.
(٤) النساء ١٧٢.
(٥) قيل (م).
(٦) من (م).