كَرِيمٌ) (١) فإن قيل : لم لا يجوز أن يكون المراد منه وقوع التشبيه في الصورة [والجمال (٢)]؟ قلنا الأولى حمل هذا التشبيه في السيرة ، لا في الصورة. لأنه قال : (إِنْ هذا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ) فشبه بالملك الكريم. والملك إنما يكون كريما بسيرته المرضية ، لا بمجرد صورته. فثبت : أن المراد تشبيهه بالملك في نفي دعاوي الشر من الشهوة والحرص على المشتهى ، وإثبات ضد ذلك ، وهي صفة الملك ، وهي غضّ البصر ، وقمع النفس عن الميل إلى الحرام. فدلت هذه الآية على إجماع العقلاء من الرجال والنساء ، والمؤمن والكافر ، على اختصاص الملائكة بالدرجات الفائقة (٣) في جميع الخيرات على درجات البشر.
فإن قالوا : إن قول المرأة : (فَذلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ) (٤) كالصريح في أن مراد النساء بقولهن : (إِنْ هذا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ) : تعظيم حال يوسف في الصورة ، لا في السيرة. قلنا : هذا غير لازم. فلعل مراد المرأة : إني عشقت إنسانا مثل هذا الذي رأيتن ، كأنه ملك لا يميل طبعه البتة إلى الشهوات واللذات. ومعلوم : أنه كلما كان امتناع المعشوق أشد ، كان عشق العاشق أشد [والله أعلم (٥)].
الحجة العاشرة : قوله تعالى : (وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلاً) (٦) وجه الاستدلال : أن المخلوق (٧) إما مكلف وإما غير مكلف. ولا شك أن المكلف أفضل مما لا يكون مكلفا (٨) أما المكلفون فهم أربعة أنواع : الملائكة ، والبشر ، والجن ، والشياطين. ولا نزاع في أن البشر أفضل من الجن والشياطين. فلو كانوا أفضل من الملائكة أيضا. لزم أن يكونوا أفضل من جميع
__________________
(١) يوسف ٣١.
(٢) من (ل).
(٣) العالية (م).
(٤) يوسف ٣٢.
(٥) من (طا ، ل).
(٦) الإسراء ٧٠.
(٧) المخلوقات (ل).
(٨) من غير المكلف (م).