الأول : إن النفوس والعقول ذوات مجردة عن الجسمية وعلائقها ، فتكون أفضل من هذه الأجسام ، ومن الجسمانيات. إما أنها مجردة. فقد علمت. وإما أن المجرد أفضل ، فلأن المجرد غني عن المكان والحيز. والجسم والجسماني محتاج إليه. والغني عن الشيء أفضل من المحتاج إليه.
والثاني : إن الملائكة ذوات بسيطة مبرأة عن الكثرة الحاصلة بسبب المادة والصورة ، وعن الكثرة الحاصلة بسبب اجتماع الوحدات. وأما الإنسان فإنه مركب من النفس والبدن. والنفس محتاجة إلى قوى كثيرة ، وإلى آلات كثيرة ، حتى تقدر أن تفعل بواسطة كل آلة فعلا آخر. وأما البدن فهو مركب من الأجزاء الكثيرة. والبسيط جزء من المركب. لأن أسباب العدم للمركب ، أكثر منها للبسيط.
والثالث : إن تركيب الإنسان تركيب رخو ، مستعد لقبول التفرق والتمزق بأدنى سبب ، فهو كالشيء الموضوع على مرتعة الآفات ، وممر المخافات. تؤذيه البقة. وتقتله الشرقة. أوله نطفة قذرة ، وآخره جيفة مذرة. وفيما بين الحالين حمال عذرة.
وأما أبدان تلك الأرواح. فهي السموات الباقية الدائمة المبرأة عن الفطور والتفاوت. فأي عقل يجوز إثبات المناسبة بينهما؟
والرابع : إنا قد بينا في باب [«النفس (١) أن هذه النفوس (٢)] الناطقة معلولات لتلك العلل العالية في ذواتها وفي كمالاتها. والمعلول الضعيف ، كيف يمكن أن يقابل بالعلة القاهرة القوية؟ وأيضا : فالموجود لا يصل إلى المعلول ، إلا بعد أن يصل إلى العلة. ثم يفيض منها إلى المعلول. فتلك العلة كالبحار الآمنة عن التغير والفناء. وهذه المعلولات كالقطرات التي تكون في معرض الجفاف والذهاب ، بحسب كل لحظة ولمحة. فكيف يقابل أحدهما بالآخر؟.
__________________
(١) للمؤلف «رسالة في إثبات النفس وبقائها وفائدة الزيادة» موجودة في تركيا [نور عثمانية رقم ٢٧٦٤].
(٢) سقط (ل).