والسادس : إن الروحانيات السماوية محيطة بالمغيبات ، عالمة بالأحوال المستقبلة. لأنهم في لسان الشريعة : مطالعون للوح المحفوظ. وفي لسان الحكمة : [إنها علل (١)] لحوادث هذا العالم. فذواتها علل لهذه الأحوال. وهي عالمة بذوات أنفسها. والعلم بالعلة يوجب العلم بالمعلول.
والمطلوب الثالث : إن قدرتها (٢) على الأفعال ، لا تناسب قدرة البشر. ويدل عليه وجوه :
الأول : إنهم مواظبون على الخدمة دائما. قال تعالى : (يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ) (٣) لا يلحقهم نوم العيون ، ولا سهو العقول ، ولا غفلة الأبدان. فطعامهم التسبيح ، وشرابهم [التقديس (٤)] والتهليل ، وأنسهم. بذكر الله ، وفرحهم بخدمة الله. متجردون عن العلائق البدنية مبرءون عن العوائق (٥) الشهوانية والغضبية. [التي هي منشأ سفك الدماء والفساد. والأرواح مصروفة عنه. والخالي عن منبع الشر ، أشرف من المبتلي به (٦)] فأي مناسبة بين البابين؟
والثاني : إن الروحانيات ، لهم القوة الشديدة على تصريف أجسام هذا العالم ، وتقليب أجرامه. والقوة التي لهم ليست من جنس القوى المزاجية ، حتى يعرض لها الكلال واللغوب. ثم إنك ترى أن الشطأة من النبات ، في أول نموها ، مع غاية لطافتها ، تفتق الحجر وتشق الصخر. وما ذاك إلا لقوة نباتية فاضت عليها من جواهر القوى السماوية. فما ظنك بتلك القوى السماوية؟ فالروحانيات هي التي تتصرف في تلك الأجسام السفلية تقليبا وتصريفا؟ لا يستثقلون حمل الثقال ، ولا يستصعبون نقل الجبال. فالرياح تهب بتحريكاتها
__________________
(١) الفاعلة (م).
(٢) قدرها (م).
(٣) الأنبياء ٢٠.
(٤) من (ل).
(٥) الحجب (طا ، ل).
(٦) من (طا).