والسحاب تعرض وتزول بتصريفاتها ، وكذا الزلازل تقع في الجبال بتأثيراتها.
[والشرائع (١) الإلهية ناطقة بذلك. قال تعالى : (فَالْمُقَسِّماتِ أَمْراً) (٢) والعقول أيضا دالة عليه. فأين أحد القسمين من الآخر؟.
والثالث : إن الروحانيات لها اختيارات فائضة عن أنوار جلال الله تعالى ، متوجهة إلى الخيرات الفائضة على مادة هذا العالم. لا يشوبها شائبة الضعف ، بخلاف اختيارات البشر ، فإنها مترددة بين جهتي العلو والسفالة ، وطرفي الخير والشر. وميلهم إلى الخيرات إنما يحصل بإعانة الملائكة وإرشادهم [كما ورد (٣)] في الأخبار : «أن لكل إنسان ملكا يسدده ويهديه».
والرابع : إن الروحانيات مختصة بالهياكل الشريفة. فالأفلاك كالأبدان لها ، والكواكب النيرة كالقلوب لها ، والخطوط الشعاعية التي تمتد من بعضها إلى بعض ، كالأرواح المتولدة في القلب وفي الدماغ ، السارية منها إلى سائر الأعضاء.
ثم إنا نعلم : أن اختلاف أحوال الأفلاك والكواكب : مبادي لحصول الاختلاف في هذا العالم. فلما وقع حضيض الشمس في جانب الجنوب ، لا جرم قربت الشمس هناك من الأرض ، فقويت السخونة هناك ، وجدبت الرطوبات إلى ذلك الجانب ، فحصلت البحار هناك ، وصار ذلك سببا لانكشاف الماء عن الربع الشمالي ، فصار الربع الشمالي ، مقرا للحيوانات الأرضية. فانظر أن بهذا القدر من التفاوت في حال الشمس. كيف حصلت العمارة الكلية في هذا العالم؟ وأيضا : فيحصل من حركات الكواكب اتصالات مختلفة من التثليث والتسديس ، والمقابلة والتربيع ، والمقارنة. وكذلك مناطق الأفلاك ، تارة تصير منطبقة بعضها على البعض ، وذلك هو الرتق. فحينئذ تبطل عمارة هذا العالم. وتارة ينفصل بعضها عن البعض فتنتقل العمارة من
__________________
(١) والرابع : الكتب (م).
(٢) الذاريات ٤.
(٣) من (ل).