الفصل الثاني
في
حكاية دلائل القائلين
بأن النفس يجب أن تكون جوهرا جسمانيا
وقبل الخوض في المقصود لا بد من تقديم مقدمة.
وهي : إن العلوم على قسمين : منها بديهية. ومنها : كسبية. والكسبيات موقوفة على البديهيات ، إذ لو كان كل علم كسبيا ، لزم إما الدور ، وإما التسلسل. وهما محالان. لأن الموقوف على المحال : محال.
فوجب أن لا يحصل شيء من العلوم أصلا. فثبت : أن القول بأن جميع العلوم كسبية ، يوجب القول بنفي العلوم أصلا ، وما أفضى إثباته إلى نفيه ، كان إثباته باطلا. فثبت : أن الاعتراف بحصول العلم ، يوجب الاعتراف بحصول العلم البديهي ، وإذا ثبت هذا فنقول : إنه لا معنى للعلم البديهي ، إلا العلم الذي تحكم بصحته فطرة عقول العقلاء ، من غير حاجة فيه إلى بحث ونظر وتأمل.
إذا عرفت هذه المقدمة ، فنقول : الذي يدل على أن النفس جسم مخصوص وجوه :
الحجة الأولى : إن العلم بصفات النفس : بديهي ، ومتى كان كذلك (١)
__________________
(١) ومتى كان العلم بالصفة بديهيا ، كان العلم بالذات بديهيا (ط).