باتحاد ، لأن الموجود ليس (١) نفس المعدوم. وأيضا : البدن جسم مركب من الأخلاط المتضادة ، والأجزاء المتكاثرة ، والنفس جوهر مجرد عن الحجمية والعرضية ، فكيف يعقل أن يصير أحدهما عين الآخر؟
والجواب عن الثاني : وهو قولكم : النفس المعينة لها عشق طبيعي ، وشوق ذاتي ، إلى تدبير هذا البدن. فنقول : هذا أيضا ضعيف. لأن عشق البدن (٢) لا يصح إلا [ممن يقدر (٣)] على الالتذاذ بالمحسوسات ، وإلا على الانتفاع بما في عالم الجسمانيات من المنافع والراحات. فأما أن تكون النفس عاشقة لهذه الآلهة بعينها ، مع أنه يمكنها تحصيل المقصود بسائر الآلات. فهذا محال. والدليل القاطع عليه : أن النفس متى جزمت وقطعت بأن تحصيل هذه اللذات والطيبات بهذا الطريق : ممكن. وبالطريق الثاني أيضا : ممكن. وأنه لا رجحان لأحد الطريقين على الثاني في كثرة الفوائد والمنافع. فههنا (٤) يمتنع أن يكون للنفس ميل إلى أحد الطريقين بعينه دون الثاني. فكذا هاهنا ، مطلوب النفس هو الانتفاع باللذات الجسمانية والراحات الشهوانية. ولما كانت الأبدان بأسرها متساوية في الإفضاء إلى هذا المطلوب ، وجب أن تكون نسبة النفس إليها بأسرها على السوية. ومتى كان الأمر كذلك ، كان قولهم : إن النفس المعينة عاشقة لهذا البدن المعين عشقا طبيعيا : قول (٥) باطل.
الحجة السادسة : إن علمي بنفسي أظهر العلوم وأقواها.
والدليل عليه : أن علمي بما يغاير نفسي ، تابع لعلمي بنفسي ، والتابع يمتنع أن يكون أقوى من المتبوع. وإذا ثبت هذا فنقول : لو كانت نفسي موجودا مجردا ، لا داخل العالم ، ولا خارج العالم ، ولا متصلا بالعالم ولا منفصلا عنه.
__________________
(١) لا يكون (م).
(٢) النفس (ل).
(٣) سقط (ل).
(٤) فههنا يستحيل (م).
(٥) أمرا (ل).