وأيضا : فهب أن القوة الباصرة أدركت الإنسان إلا أن الإنسان من حيث إنه إنسان ، لا كلي ولا جزئي ، ولكنه إنسان [فقط (١)] فلا يلزم منه أن تكون القوة الباصرة مدركة للكليات.
فنجيب عن الأوّل : بأنا إذا أدركنا هذا السواد وهذا البياض. فإما أن يكون المرئي ، مجرد كون هذا : هذا. وذاك : ذاك. من غير أن تتعلق القوة الباصرة بماهية السواد والبياض ، وإما أن يكون المرئي مجموع كونه هذا ، مع كونه سوادا ، أو مجموع كونه ذاك بياضا. أما الأول فباطل لوجوه :
أحدها : إنا قد دللنا على أن التعين قيد عدمي ، فيمتنع كونه مرئيا.
وثانيها : إن بتقدير أن يكون [التعين أمرا ثابتا ، فإن تعين هذا وتعين ذاك. كل واحد منهما يتشاركان في كونه تعينا (٢)] فهذا التعين وذلك التعين شخصان داخلان تحت نوع واحد ، ولا مخالفة بينهما في الماهية أصلا. فإذا أحسسنا بهذا السواد وهذا البياض ، وفرضنا أن المحسوس ليس إلا مجرد كونه هذا وذاك ، وثبت أن مجرد كونه هذا وذاك شخصان داخلان تحت نوع واحد وأنه لا مخالفة بينهما في الماهية ، فحينئذ يلزم أن لا يحس من طريق الإبصار بكون السواد والبياض متخالفين. ولما كان ذلك باطلا بالبديهة ، علمنا : أنه ليس المحسوس بحس البصر ، هو مجرد كونه هذا وذاك ، بل كونه سوادا أو بياضا [أيضا محسوس بحس البصر (٣)].
وثالثها : إن بتقدير أن يكون التعين أمرا ثابتا ، وأن يكون المحسوس هو التعين. إلا أن التعين أيضا ماهية كلية ، فيكون المحسوس [بالبصر أيضا أمرا كليا. إلا أن يقال : المحسوس (٤)] ليس هو التعين بل تعين التعين. ثم يعود الكلام [الأول (٥)] فيه ، ويلزم التسلسل.
__________________
(١) من (م).
(٢) من (طا) ل.
(٣) سقط (م).
(٤) سقط (م).
(٥) من (م).