الأول : إنه يلزم أن يكون الجزء مساويا للكل ، وذلك محال. لأنه إذا كان كل ذلك العلم علما بذلك المعلوم وأحد أجزاء ذلك العلم يكون أيضا علما بذلك المعلوم ، فحينئذ يلزم كون الجزء مساويا للكل من كل الوجوه ، وهو محال. فإن قالوا : لم لا يجوز أن يكون الكل مساويا للجزء في بعض الأحوال ، وإن كان مخالفا له من سائر الوجوه؟
قلنا : العلم بالشيء لا حقيقة له ولا ماهية له ، سوى كونه علما بذلك المعلوم ، وكل ما سوى هذا الاعتبار ، فإنه يكون خارجا عن ماهية كونه علما ، فإذا كان لا ماهية للعلم إلا هذا القدر. ثم قلنا : إن هذا القدر وقع الاشتراك فيه بين كل العلم ، وبين جزئه ، فحينئذ يلزم كون الجزء مساويا للكل من كل الوجوه ، وهو محال.
الثاني : وهو أنه إذا كان كل ذلك العلم علما بذلك المعلوم [وكان كل واحد من أجزاء ذلك العلم أيضا ، علما بذلك المعلوم ، فحينئذ يكون الموصوف بذلك عالما بذلك المعلوم (١)] لا مرة واحدة ، بل مرارا كثيرة. وذلك باطل.
الثالث : وهو أنا إذا فرضنا أن كل واحد من أجزاء ذلك العلم ، كان علما بذلك المعلوم ، فهل تنتهي تلك الأجزاء إلى جزء لا يقبل القسمة ، أو لا ينتهي إلى ذلك؟ فإن كان الأول فذلك الجزء من العلم ، علم بذلك المعلوم ، مع أنه لا يقبل القسمة. فقد وجدنا علما لا يقبل القسمة. وهو المطلوب. وإن كان الثاني فحينئذ يلزم أن يحصل لذلك العلم أجزاء لا نهاية لها ، لا مرة واحدة بل مرارا لا نهاية لها. وهو محال. وعلى تقدير تسليمه ، فالمقصود حاصل. لأن الكثرة عبارة عن اجتماع الوحدات ، فما لم تحصل الوحدة لم يحصل اجتماعها ، وحينئذ يحصل المقصود.
وأما القسم الثاني من الأقسام المذكورة في أول الدليل : وهو أن كل واحد
__________________
(١) سقط (ط)