التخيلات والتفكرات والتذكرات إلى غير النهاية. مع أنها عندكم قوى جسمانية.
فإن قالوا : لا نسلم أن هذه القوى تقوى على أفعالها إلى غير النهاية ، بل لا بد من الانتهاء إلى حيث لا تقوى على الفعل بعد ذلك.
فنقول : فإذا جاز لكم أن تلتزموا ذلك ، فلم لا يجوز لغيركم أن يلتزم مثله في القوة العاقلة. وهو أن يقال : إنها تنتهي إلى حيث تقوى على الزيادة؟ وما الفرق بين البابين؟ فإنا لا نجد في العقل : فرقا بين الموضعين.
السؤال الثالث : هب أن النفس تقوى على إدراكات لا نهاية لها. فلم قلتم : إن الإدراكات فعل؟ وتقريره : أن إدراك الشيء عندكم : عبارة عن حصول صورة المعقول في العاقل ، وإذا ثبت هذا فيكون الجوهر العاقل قابلا لتلك الصورة العقلية ، لا فاعلا لها. وعندكم : الممتنع على الأجسام أفعال لا نهاية لها. فإنها انفعالات لا نهاية لها ، فهذا غير ممتنع عندكم على الجسمانيات. ألا تروا أن الهيولى أزلية. وقد حصل فيها صور متعاقبة لا نهاية لها؟.
فإن قالوا : الإدراكات على قسمين : التصورات والتصديقات.
أما التصورات ، فلا نزاع في كونها انفعالات. وأما التصديقات ، فهي أفعال ، لأنها عبارة عن حكم الذهن بإسناد أحد التصورين إلى الثاني ، وهذا الإسناد فعل. فثبت : أن النفس لما كانت قادرة على التصديقات التي لا نهاية لها ، كانت قادرة على أفعال لا نهاية لها. فنقول : لا نسلم أن الإسناد والحكم : فعل. وذلك لأنا لا نعقل من هذا الإسناد (١) والحكم ، إلا حصول الاعتقاد بأن إحدى الماهيتين موصوفة بالثانية ، أو مسلوب عنها تلك الثانية. فإذا حصل في الذهن اعتقاد أن كذا موصوف بكذا ، أو غير موصوف به. فهذا [هو (٢)] الحكم والإسناد. والتصديق هو في الحقيقة ليس إلا عبارة عن
__________________
(١) الإنسان (ل).
(٢) من (ل).