والشعور ، فإما أن يقال : إن الإدراك عبارة عن عين تلك الصورة ؛ وهذا لا يقول عاقل. ويدل عليه وجوه :
الأول : إن الجسم الموصوف بالسواد يكون السواد حاصلا فيه ، وإدراك السواد غير حاصل فيه ، فإدراك السواد مغاير لحصول ماهية السواد. فإن قالوا : حصول الماهية إنما يكون إدراكا لها ، إذا كان ذلك الشيء الذي حضرت الماهية عنده : قوة مدركة ، فإذا كان الجسم جمادا ، فقد فات هذا الشرط ، فيفوت المشروط.
فنقول في الجواب : إن كان الإدراك عبارة عن مجرد الماهية عنده. فالمدرك يجب أن يكون عبارة عن الشيء الذي حضرت الماهية عنده. فوجب أن يكون الجماد مدركا. وإن قلنا : إنه ليس كلما حضرت الماهية عنده ، بل قد يكون مدركا لها ، وقد لا يكون. فهذا يقتضي أن يكون الإدراك حالة مغايرة لمجرد الحضور. وهو المطلوب.
الثاني : وهو إن الخيال الذي هو خزانة الحس المشترك ، قد حصلت الصور الجسمانية عنده ، مع أن قوة الإدراك غير حاصلة ، وذلك يدل على قولنا.
الثالث : إن أشباح المبصرات تنطبع في كل واحد من الجليدتين ، والإدراك غير حاصل هناك ، وإلا لزم أن يدرك الإنسان : المرئي الواحد شيئين. لأنه انطبع في كل واحد من الجليدتين صورة على حدة. بل الحق أن الانطباع يحصل في الجليدتين. إلا أن قوة الإبصار إنما تحصل عند ملتقى العصبتين المجوفتين. هكذا قاله الشيخ في كتاب «الشفاء» وهذا يدل على أن الإدراك غير الانطباع.
الرابع : وهو أنا نعلم بالضرورة : أن الإدراك والشعور والإبصار : أحوال نسبية إضافية ، فيمتنع أن يكون عبارة عن مجرد حضور تلك الماهية. وإذا ثبت هذا فنقول : لم لا يجوز أن يقال : القوة العقلية حالة في جسم مخصوص ، ثم إن القوة الناطقة قد تحصل لها الحالة الإضافية المسماة بالشعور