السؤال الرابع : نحن إذا رأينا (١) المسافة الطويلة والامتداد الطويل ، فهل يتوقف هذا الإبصار على ارتسام صورة المرئي في عين الرائي ، أو لا يتوقف؟ فإن توقف عليه ، فحينئذ يلزم اجتماع المثلين. لأن القوة الباصرة عندكم جسمانية ، فهي حالة في محل له حجم ومقدار ، فإذا حصل فيه مقدار المرئي وحجميته ، فحينئذ يلزم اجتماع المثلين ، فإذا جاز هناك ، فلم لا يجوز مثله في مسألتنا؟ وإن كان إدراك الشيء لا يتوقف على حصول صورة المرئي في الرائي ، فحينئذ يبطل قولهم : إن إدراك القلب والدماغ يتوقف على حصول صورة القلب والدماغ في القوة (٢) العاقلة.
السؤال الخامس : هب أنه يصح لكم بالدليل : أن القوة العاقلة لو كانت حالة في جسم ، لوجب أن تكون دائمة الإدراك لذلك الجسم فلم لا يجوز أن يكون الأمر كذلك؟ قوله : «لأجل أن إدراكنا بقلبنا ودماغنا ، غير دائم» قلنا : فهذا الدليل الذي ذكرتم ، إنما يصح لإبطال قول من يقول : «القوة العاقلة حالة في القلب أو الدماغ» فأما من يقول : «إنها حالة في جسم مخصوص ، مشابك لبعض بطون القلب ، أو بعض بطون الدماغ» فهذا الإلزام غير وارد عليه. فإن قالوا : فيلزم أن يكون أبدا (٣) عالما بوجود ذلك الجسم. فنقول : إن من يقول : «النفس جسم مخصوص موصوف بصفة مخصوصة» يلتزم ذلك ، ويقول : إن الإنسان أبدا يكون عالما بأنه جسم مخصوص ، ولا يزول عن عقله ذلك البتة. فسقطت هذه الحجة بالكلية.
واعلم : أن هذه الدلائل الأربعة هي التي زعم [الشيخ (٤)] أنها حجج برهانية ، ودلائل يقينة. ثم ذكر بعد ذلك وجوها أخرى ، واعترف بكونها وجوها إقناعية ظنية. وقد ظهر بالمباحث التي ذكرناها : أن هذه الوجوه التي
__________________
(١) عقلنا (ل ، طا).
(٢) الصورة (ل ، طا).
(٣) أبدا دائما (م).
(٤) سقط (ط).