سماها قطعية يقينية ، لا تفيد ظنا ضعيفا ، فضلا عن القوى. ولقد ذكر في تعليقاته ومباحثاته : وجها خامسا. وذكر أيضا : أنه من القطعيات ، فوجب علينا أيضا أن نذكره.
الحجة الخامسة : إن كل أحد يدرك نفسه ، وقد ثبت أن إدراك الشيء عبارة عن حضور ماهية المعلوم عند العالم ، فإذا علمنا أنفسنا فهذا إما أن يكون لأجل حضور ذواتنا [لذواتنا (١)] أو لأجل حضور صورة مساوية لذواتنا في ذواتنا. والقسم الثاني باطل لوجهين :
الأول : إنه يلزم اجتماع المثلين ، وهو محال. لأنه لا يكون أحدهما بالحالية ، والآخر بالمحلية أولى من العكس.
والثاني : هو إنه ما لم نعرف أن هذه الصورة الحادثة مساوية لذاتنا ، لم تكن معرفة تلك الصورة نافعة في معرفة الذات. لكن علمنا بأن هذه الصورة مساوية لذاتنا. يجب أن يكون مسبوقا بعلمنا بذاتنا. ويعود الكلام فيه ، ويمر إلى غير النهاية ، وهو محال. ولما بطل هذا القسم ، ثبت أنه لا معنى لعلمنا بذواتنا ، إلا نفس حضور ذاتنا عند ذاتنا. وهذا إنما يكون إذا كانت ذاتنا [قائمة (٢)] بالنفس ، غنية عن المحل ، لأن بتقدير أن يكون في محل ، لم يكن هو حاضرا عند نفسه ، وإنما يكون حاضرا عند ذلك المحل. فثبت : أن النفس عالمة بذاتها ، وثبت : أن علمها بنفسها عبارة عن حضور نفسها عند نفسها وثبت : أن هذا المعنى ، إنما يحصل إذا كانت النفس قائمة بنفسها ، غنية عن محل تحل فيه. فهذا يقتضي أن تكون القوة العاقلة : جوهرا قائما بالنفس ، غنيا عن الجسم. وهو المطلوب.
والاعتراض عليه : إن هذه الحجة مبنية على أن تعقل الشيء ، يستدعي حضور صورة مساوية في تمام الماهية للمعقول عند العاقل ، وعلى أن التعقل لا
__________________
(١) من (ل).
(٢) سقط (ل).