معنى له إلا مجرد هذا الحضور. وكل ذلك قد أبطلناه. وبينا : أن الإدراك عبارة عن حالة نسبية إضافية. فإن حصلت لذات الإنسان مع ذاتها ، تلك الإضافة ، صار الإنسان عالما بذاته المخصوصة ، وإلا بقي غافلا عنها [وأيضا (١)] فهذه الحجة موقوفة على مقدمة ثالثة ، وهي : البحث في كون الشيء حاضرا عند نفسه. وقد بحثنا عن هذه المقدمة عند حكاية دلائل الفلاسفة على كونه تعالى عالما بذاته المخصوصة.
وأيضا : فهذه الحجة مع ركاكة مقدماتها : منقوضة. وذلك لأنا إذا أخذنا حجرا أو خشبا. ونقول : إنه جوهر قائم بنفسه ، فذاته حاضرة عند ذاته. فيجب في هذه الجمادات أن تكون عاقلة بذواتها. وإنه محال. فإن قالوا : إن الحجرية صورة قائمة في المادة ، فلا تكون هذه الصورة حاضرة عند نفسها ، بل تكون حاضرة عند مادتها. فنقول : إنه يمتنع أن تكون كل مادة حاصلة في مادة أخرى إلى غير النهاية ، بل لا بد من الاعتراف بحصول جوهر قائم بنفسه في هذا الحجر وهذا الخشب : هو المادة الأصلية. وإذا كان كذلك ، فتلك المادة تكون قائمة بنفسها ، فتكون ذاته حاضرة عند ذاته ، فوجب كونها عالمة بنفسها ، فيلزم في هذه الجمادات : أن تكون عالمة بنفسها ، شاعرة بذواتها. ومعلوم أنه باطل. وأيضا : فجميع الحيوانات مدركة لذواتها ، فلو كان الشيء مدركا لذاته يقتضي أن تكون ذاته جوهرا مجردا ، لزم أن تكون نفوس الحيوانات أسرها جواهر مجردة. والقوم لا يقولون به. فهذا هو وجه السؤال على هذه الحجة والبينة.
الحجة السادسة : اعلم : أن «أبا البركات البغدادي» زعم أن الدليل القوي في هذه المسألة ، هو هذا الذي نذكره. فقال : «لا شك في أن الواحد منا يمكنه أن يتخيل بحرا من الزئبق ، وجبلا من الياقوت ، ويمكنه أن يتخيل شموسا وأقمارا [كثيرة (٢)] فهذه الصورة الخيالية ، إما أن تكون معدومة أو
__________________
(١) سقط (ل).
(٢) من (ل).