وأما قوله ثانيا : «إذا لم يتوقف صدور هذه الآثار عنها ، على اعتبار حال المحل ، وجب أن لا تتوقف ذواتها على اعتبار حال المحل».
فنقول : أليس أن الصور والأعراض محتاجة إلى محالها ، وليس احتياجها إلى تلك المحال ، إلا لمجرد ذواتها ، ثم لا يلزم من استقلالها بهذا الحكم ، استغناؤها في ذواتها عن تلك المحال؟
فعلمنا : أنه لا يلزم من كون الشيء مستقلا باقتضاء حكم من الأحكام أن يكون مستغنيا في ذاته عن المحل ، بل نقول : إن جميع الآثار الصادرة عن الأجسام لأجل قوى ، وأعراض (١) حالة في تلك الأجسام. وليس لتلك الأجسام [مدخل (٢)] في اقتضاء تلك الآثار. فعلمنا : أنه لا يلزم من كون الشيء مستقلا باقتضاء حكم ، كونه غنيا في وجوده عن المحل.
الحجة الثالثة : قالوا : القوى الجسمانية تكلّ بكثرة الأفعال ، ولا تقوى على الضعيف(٣) بعد القوي. فإن من نظر إلى قرص الشمس [بالاستقصاء (٤)] فإنه في تلك اللحظة لا يحس بالشعلة الضعيفة. والسمع إذا أحس بصوت الرعد ، فإنه تلك اللحظة لا يحس بصوت الذباب. وعلة ذلك ظاهرة ، وهي أن القوى الجسمانية بسبب مزاولة الأفعال تتعرض موادها للتحلل والذبول ، وذلك يوجب الضعف. وأما القوى العقلية فإنها لا تضعف بسبب كثرة الأفعال ، وتقوى (٥) على الضعيف بعد القوى. فوجب أن لا تكون جسمانية.
والاعتراض : إن القوة الخيالية جسمانية. ثم إنها تقوى على تخيل الأشياء العظيمة ، مع تخيلها للأشياء الحقيرة. فمثلا يمكنها (٦) أن تتخيل صورة
__________________
(١) والأعراض حادثة (م).
(٢) من (طا ، ل).
(٣) القوى بعد الضعف (م ، ط).
(٤) من (م).
(٥) والقوى على القوى وبعد الضعيف (م ، ط).
(٦) يمكننا (ل ، طا).