الحدوث فى قوله : «علة الحاجة الى المؤثر لما سبق الامكان لا الحدوث» (٤) فانه رجح دليل الامكان على دليل الحدوث فى خلق الله للكون. وبهذا الصدد يقول :
(أ) لأن الحدوث كيفية لوجود الحادث فيكون متأخرا عنه والوجود متأخر تأثير القادر فيه المتأخر عنه احتياج الممكن إليه ، المتأخر عن علة احتياجه إليه ، فلو كانت العلة هى الحدوث لزم تأخر الشيء عن نفسه بمراتب.
(ب) احتجوا (أى المتكلمين) بأن علة الحاجة لو كانت هى الامكان ، لزم احتياج العدم الممكن الى المؤثر ، وهو محال لأن التأثير يستدعى حصول الأثر والعدم نفى محض فلا يكون أثرا.
(ج) جوابه : فان قيل : ان علة العدم عدم العلة (٥).
ان فخر الدين الرازى فى بند (ا) يبين سبب ترجيحه علة حاجة الكون الى وجود الله تعالى بأنه الامكان ويعطى سبب ترجيحه بأن احتياج الممكن الى الواجب الوجود احتياج مباشر وملازم وموجود منذ بداية الأمر وقبل احداث الممكن.
ولذلك لا يمكن ان يخطر ببال الانسان المفكر درجات أو مراحل فى علية الحاجة لأن الانسان يضل فى الطريق الحق عند ما يندرج فى وسائل الاحتياج المتعددة. والاحتياج متلاحم ومتلاصق وبتعبير آخر اذا كانت علة الحاجة هى الامكان. وأما اذا كان علة الحاجة هى الحدوث تتأخر علة الحاجة عن الحدوث. وهذا هو المعنى الدقيق فى المسألة. وعلى ذلك تظهر علة الحاجة بعد أن يحدث الكون ، يعنى بعد أن يخلق الله الكون ونراه بأعيننا وحواسنا حينئذ نفهم أو نستدل بما أن الكون قد حدث وصار بعد أن لم يكن موجودا. إن الله احدثه وكونه وخلقه. هنا علة الحاجة تأخرت عن الحدوث أو على الأقل بالنسبة الى فهم الانسان. فأما فى الامكان فان الانسان يفهم فى بداية الحاجة قبل كون الحدوث
__________________
(٤) الحمل ، ٥٤ ، مصر ١٣٢٣.
(٥) نفس المحصل.