والثاني : أن من المعلوم أن كل واحد من هذين السببين المستقلين ، لو انفرد ، لكان مستقلا بالتكوين والتأثير ، إلا أن حضور الآخر منعه من التأثير. فنقول : المانع لهذا المؤثر ، ليس هو ذات المؤثر الثاني ، ولا شيء من صفاته ، بل كون هذا الأثر صادرا من هذا يمنع صدوره من ذاك ، ولذاك بالضد. ومعلوم : أن المعلول لا يحصل إلا عند حصول العلة. فإذا كان المانع من صدور [ذلك الأثر عن هذا ، ليس إلا صدوره عن ذاك ، والمانع من صدوره (١)] من ذاك ليس إلا صدوره عن هذا ، وثبت أن المعلول لا يوجد إلا عند وجود العلة ، فلو امتنع الطرفان ، لزم القول بحصول الطرفين ، حتى يكون كل واحد منهما مانعا من الثاني ، فيلزم من امتناع استناده إليهما معا ، حصول استناده إليهما معا [وكنا قد ذكرنا في القسم الأول : أنه يلزم من حصول استناده إليهما معا ، امتناع استناده إليهما معا (٢)] وكل ذلك محال.
وأما القسم الثلث وهو أن يقع بأحدهما دون الثاني : فنقول : هذا باطل لوجهين :
الأول : إن العقل يقتضي أن يندفع الأضعف بالأقوى ، ولا شك أن ممكن الوجود ، أضعف من واجب الوجود. وعلى هذا التقدير فلا موجد ولا مؤثر (٣) إلا الله.
الثاني : إن كل شيء يخرج من العدم إلى الوجود فهو في نفسه ، إما شيء واحد وإما مركب من أشياء ، يكون كل واحد منها في نفسه شيئا واحدا ، والشيء الواحد في نفسه لا يقبل التفاوت أصلا. وإذا كان هو في نفسه غير قابل للتفاوت [كانت القدرة على إيجاده غير قابلة للتفاوت أصلا ، وإذا كان كذلك (٤)] امتنع أن يقال : إن أحد المؤثرين أقوى وأكمل في التأثير بالنسبة إلى ذلك الشيء الواحد.
__________________
(١) من (ل) ، (طا).
(٢) من (ل) ، (طا).
(٣) إلا الحق سبحانه وتعالى (ت ، ط).
(٤) من (ل) ، (طا).