البحث
البحث في المطالب العالية من العلم الإلهي
التصديق عند حضور تلك التصورات لازما أو ضروريا ، لم يكن للعبد قدرة عليه ، ولا اختيار له فيه. لأن تلك التصورات لا قدرة للعبد عليها البتة. وعند حضورها تكون مستلزمة لذلك التصديق استلزاما لا قدرة للعبد عليه. فعلى هذا التقدير ، امتنع أن يكون ذلك التصديق واقعا بكسب العبد وباختياره. وأما إن كان حصول التصديق عند حصول (١) تلك التصورات غير ضروري ولا لازم ، فحينئذ لم يكن ذلك التصديق علما ولا يقينا ، بل هو اعتقاد تقليدي، أتى به الإنسان من غير موجب. وهو أيضا محال. ومتى حاول الإنسان تشكيك نفسه فيه ، أمكن ذلك وقبل هذا لا يكون علما ولا يقينا. فثبت بما ذكرنا : أن العلوم إما تصورات وإما تصديقات. وثبت : أن كل واحد منهما خارج عن قدرة العبد وعن وسعه. فثبت : أن المعارف والعلوم خارجة عن قدرة البشر ، وأن حصولها ليس إلا بخلق الله سبحانه.
البرهان الثالث
على أن العبد لا يقدر على خلق العلوم
هو : أن العبد إذا حاول إحداث العلم ، إما ابتداء وإما بواسطة شيء آخر. فإما أن يحاول إحداث مطلق العلم ، وإما أن يحاول إحداث العلم بكذا على التعيين. فإن حاول إحداث مطلق العلم ، لم يكن بأن يحصل هذا العلم ، أولى بأن يحصل ذلك العلم. لأن ماهية العلم جنس تحته أنواع كثيرة. وهي العلم بهذا المعلوم ، والعلم بهذا المعلوم الآخر. والطبيعة الجنسية بالنسبة إلى جميع الأنواع على السوية. فلم تكن الطبيعة الجنسية [ناقصة (٢)] باقتضاء بعض الأنواع ، أولى من اقتضاء النوع الآخر. فلو كان القصد إلى جنس حصول النوع ، كان ذلك رجحانا للممكن من غير مرجح. وهو محال.
وأما القسم الثاني وهو أن يقال : إنه يحاول إحداث العلم بكذا على
__________________
(١) حضور (ط).
(٢) من (ط).