التعيين. فنقول : هذا أيضا محال. وذلك لأن اعتقاد أن الشيء كذا ، قد يكون علما ـ إذا كان مطابقا لذلك المعتقد ـ وقد يكون جهلا ، وهو إذا كان غير مطابق. فالعلم إنما يتميز عن الجهل ، إذا عرف كونه مطابقا لذلك المعتقد [وقد يكون جهلا ، وهو إذا كان غير مطابق (١)] فعلى هذا لا يمكن أن يقصد إلى العلم دون الجهل ، إلا إذا ميز بين العلم وبين الجهل ، ولا يمكنه أن يعرف هذا الامتياز إلا إذا عرف أن هذا الاعتقاد مطابق للمعتقد ، ولا يمكنه أن يعرف هذه المطابقة ، إلا إذا عرف أو لا حال ذلك المعتقد في نفسه. فثبت : أنه لا يمكن أن يجعل نفسه عالما بذلك الشيء ، إلا إذا كان قد عرف أولا حال ذلك الشيء. وذلك يقتضي كون الشيء مشروطا بنفسه. وهو محال. فثبت : أن إقدار الانسان على جعل نفسه ، عالما بشيء : أمر محال. وبهذا البرهان يظهر أيضا : أن الإنسان لا يمكنه أن يجعل نفسه جاهلا بشيء. لأن الجهل إنما يتميز عن العلم ، بكونه غير مطابق للمعتقد. ولا يمكنه أن يعرف كونه غير مطابق للمعتقد ، إلا إذا عرف قبل ذلك ، حال ذلك المعتقد في نفسه. فثبت : أنه لا يمكنه تحصيل الجهل لنفسه ، إلا إذا كان عالما بذلك الشيء. وهذا يقتضي كون أحد الضدين مشروطا بالآخر ، وإنه محال.
فثبت بهذه البراهين القاطعة : أن كل ما حصل في قلوب الخلق وعقولهم من العلوم والجهالات ، فالكل من الله [وبإيجاد الله (٢)].
فإن قالوا : لم لا يجوز أن يقال : إنه وإن كان لا يمكنه إحداث العلوم والجهالات في نفسه ابتداء ، إلا أنه يمكنه إحداثها بواسطة علوم متقدمة عليها ، أو جهالات متقدمة عليها؟
قلنا : الجواب من وجهين :
الأول : إن تلك الجهالات لا تتسلسل ، بل تنتهي إلى جهل أول. فيكون خالقه هو الله سبحانه.
__________________
(١) من (ط).
(٢) من (ط ، ل).