اللفظية : وضعية والوضعيات لا تكون مانعة من النقيض. وأما ثانيا : فلأن هذه الدلائل ، لو كانت مانعة من النقيض. لكان الصحابة والتابعون أولى الناس بالوقوف عليها والإحاطة بمعانيها ، لأنهم كانوا أرباب تلك اللغة. ولو كان الأمر كذلك ، لكانوا عالمين بالضرورة بأن القول بصحة هذا المطلوب : من دين محمد عليه الصلاة والسلام. ولو كان الأمر كذلك ، لما وقع الاختلاف في هذه المسألة قديما وحديثا ، بين أمة محمد عليه الصلاة والسلام. فثبت: أن دلالة هذه الألفاظ على هذه المطالب ، ليست دلائل قاطعة مانعة عن النقيض ، بل هي محتملة للنقيض. ومتى كان الأمر كذلك ، كانت دلالة الدلائل اللفظية ، ليست إلا ظنية.
فثبت بهذه الوجوه العشرة : أن الدلائل اللفظية لا تفيد إلا الظن. وظاهر أن هذه المسألة يقينية ، والتمسك بالدليل الظني في المطلوب اليقيني : باطل قطعا (١).
فهذا تقرير البحث عن قولنا : التمسك بالدلائل اللفظية في المطالب اليقينية لا يجوز.
وبالله التوفيق
__________________
(١) اعلم : أن المؤلف قد جانبة الصواب في هذا الحكم. فإنه بقوله إن القرآن يفيد الظن ، ولذلك يجب الاعتماد على الأدلة العقلية ، بقوله هذا يهدم أصول الدين بالكلية. لأن المقدم في الاستدلال هو دليل القرآن. وأما العقل فإنه يبين للراسخين في العلم أن هذا محكم ، وهذا متشابه. لا أن العقل يفيد اليقين رأسا. فقوله تعالى : (وَاتَّقُوا اللهَ. وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ) يدل على أن العلم مترتب على التقوى في نظر إنسان ، وفي نظر إنسان آخر يقف عند قوله : (وَاتَّقُوا اللهَ) ويكون المعنى عنده : أن الله بين أحكام الدين وأحكام البيع ، ثم قال (وَاتَّقُوا اللهَ) أي في الأحكام التي ذكرها من قبل. ثم يفهم أن قوله (وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ) استئناف كلام جديد ، يفيد المنة والتفضل من الله على عباده. ومن هذا المثال يتبين أن النص مقدم في الاستدلال ، وأن العقل هو الذي يشرح النص ويوضحه. وللعوام بحسب عقولهم فهم ، وللراسخين فهم. واعلم : أن العقل الذي يقول به الإمام فخر الدين ، هو الذي أفاد الظن في دلالة الألفاظ. وهو أيضا يفيد الظن في كل الأمور ، بدليل اختلاف الفلاسفة ، والملل والأديان ، ونشوء المذاهب والفرق. فإذا وضح أن دلالة القرآن ظنية مطلقا ، وهو قد وضح من قبل : أن العقل لا يوثق به عند أقوام من الناس. فمعنى ذلك : الطعن في الدين بالكلية.