الصانع. وذلك لأن افتقار الحادث إلى المؤثر. إما أن يكون معلوما ، أو لا يكون. فإن كان معلوما ، لزم من العلم بكون العالم محدثا : العلم بافتقاره إلى المؤثر ، من غير حاجة إلى نفيه ، على افتقارنا إلينا. وإن كان غير معلوم ، لم يلزم من مشاهدة وقوع أفعالنا ، عقيب تصورنا ودواعينا : وقوعها. لاحتمال أن تلك الأفعال وقعت عندها ، لا بها ، ولا بشيء آخر. بل حدثت على سبيل الاتفاق. فثبت : أن ما ذكرتموه ليس دليلا صحيحا.
الثاني : هب أن ما ذكرتم دليل صحيح. إلا أنه لا يلزم من بطلان دليل واحد ، بطلان القول بالمدلول. لاحتمال أن يثبت ذلك المدلول بدليل آخر.
الوجه الثاني : إن مذهب الجبرية : أن حصول الفعل عند مجموع القدرة والداعي : واجب. وحصوله عند فقدان هذا المجموع : ممتنع. وهذا يقتضي كونه تعالى موجبا بالذات ، لا فاعلا بالاختيار.
الوجه الثالث : إن مذهب الجبرية : أنه لا مؤثر في حدوث الممكنات إلا الله ، وإذا كان كذلك ، كان تخصيص بعض الناس بخلق الكفر والمعصية فيه ، والبعض الآخر بخلق الإيمان والطاعة. تخصيصا لا لمخصص.
وأيضا : مذهب الجبرية : أنه لا حسن ولا قبح في العقول. وعلى هذا التقدير تخصيص بعض الأفعال بالإيجاب ، والبعض بالندب ، والبعض بالتحريم : تخصيصا لا لمخصص أصلا. ومجوز هذا ، يلزمه أن يحكم باستغناء الممكن عن المرجح. وذلك يقتضي نفي الصانع.
وهذان الوجهان ، نحن لخصناهما للقوم. وما رأينا أحدا منهم دار حولهما.
واعلم : أن الجواب المعتمد عن الوجه الثاني : إنا بينا فيما تقدم : أنه إن لزم على مذهب [الجبرية (١)] القول بأن الصانع موجب بالذات ، لا فاعل بالاختيار ، لزمهم على مذهبهم : نفي المؤثر بالكلية ، وتجويز أن يترجح أحد
__________________
(١) من (م ، ل).