والجواب : إنا إذا جعلنا قوله : (كُلَّ شَيْءٍ) : مبتدأ ، وجعلنا قوله : (خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ) : خبرا عنه. فحينئذ يحصل مقصودنا. فنقول : هذا الاحتمال أولى من الاحتمال الذي ذكرتم. ويدل عليه وجهان.
الأول : إنا بينا أن القراءة بالنصب تفيد المعنى الذي ذكرناه ، فوجب حمل القراءة بالرفع على هذا المعنى أيضا. حتى تصير القراءتان متوافقتين في فائدة واحدة.
الثاني : إن على التقدير الذي ذكرتم لا يتم الكلام إلا بإضمار أمر زائد على المذكور. وذلك لأن قوله : (كُلَّ شَيْءٍ) مبتدأ ، وقوله : (خَلَقْناهُ) صفة لذلك المبتدأ. فيبقى قوله (بِقَدَرٍ) تمام الخبر. إلا أن هذه الباء ، لا بد وأن تكون متعلقة بفعل مقدر ، فيصير المعنى : إنا كل شيء خلقناه. فإنما خلقناه بقدر ، أو فعل آخر يجري هذا المجرى. فثبت : أن على هذا التقدير يحتاج إلى الإضمار. أما إذا قلنا : إن قوله : (كُلَّ شَيْءٍ) مبتدأ ، وقوله: (خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ) خبر له. لم يحتج إلى الإضمار. ومعلوم أن الأصل عدم الإضمار ، فكان هذا التقدير أولى. وبقية الأسئلة على التمسك بهذه الآية ، هي التي تقدم ذكرها في الحجة الأولى. والله أعلم.
الحجة الخامسة : قوله تعالى : (هُوَ اللهُ الْخالِقُ) (١) وجه الاستدلال : أن هذا التركيب يفيد حصر الخبر والمبتدأ ، كما يقال : زيد هو السلطان في هذا البلد. أي : لا سلطان إلا هو. فكذا قولنا : هو الله الخالق. معناه : أنه لا خالق إلا هو.
فإن قيل : لم لا يجوز أن يقال : (هُوَ) : مبتدأ. و (اللهُ الْخالِقُ) خبره. وهذا يقتضي أن لا يكون في الوجود إله خالق سوى الله ، ولا يقتضي أن لا يكون في الوجود خالق سوى الله. كما إذا قلنا : هو الواجب في موجوديته. فإنه لا يقتضي أنه لا موجود سواه، بل يقتضي أنه لا موجود واجب الوجود سواه.
__________________
(١) آخر الحشر.