سلمنا : أن هذه الآية تفيد أنه لا خالق إلا الله. إلا أنا نقول : العبد محدث لأفعال نفسه وموجد لها. ولا نقول : إنه خالق لها. لأن الخلق عمارة عن التقدير. فالخالق هو الذي يقع فعله مقدرا بالتقدير الذي يقدره به ، على الوجه الذي يوقعه عليه. وهذا لا يصح إلا من الله تعالى. فأما العبد فإنه في أكثر الأمر يقدر شيئا ، ويقع بخلافه. فلا جرم لم يجز إطلاق اسم الخالق عليه. والله أعلم.
والجواب : إنا قد دللنا في كتاب «لوامع البينات. في تفسير الأسماء والصفات» : إن الله اسم علم. وثبت أن اسم العلم لا يفيد فائدة سوى دلالته على الذات المخصوصة. ولهذا السبب قالوا : إن أسماء الأعلام قائمة مقام الإشارات. إذا ثبت هذا فنقول : لا يمكن أن يكون الحصر عائدا إلى مفهوم قولنا «الله» هو تلك الذات المخصوصة ، فلو عاد الحصر إليه ، لصار معنى الكلام : إن ذلك المعين ليس إلا ذلك المعين ، ومعلوم : أن هذا الكلام عبث ، لأن كل شيء معين ، فذاك ليس إلا ذاك فلا يبقى لتخصيص ذات الله بهذا الحصر فائدة.
فثبت : أن هذا الحصر لا يمكن عوده إلى مفهوم قولنا «الله» فوجب أن يكون هذا الحصر عائدا إلى المفهوم من لفظ الخالق. وحينئذ يصير تقدير الآية : هو الخالق. وذلك يقتضي حصر الخالقية فيه.
وأما السؤال الثاني. فجوابه : إن الخالق بمعنى المقرر هو الذي يوقع الشيء على مقدار مخصوص. فلو كان العبد موجدا لأفعال نفسه ، لكان العبد موجدا لها على مقاديرها المخصوصة في العدد والزمان والمكان. فكان مقدرا لها ، فوجب كونه خالقا لها ، وحينئذ يبطل الحصر الذي دلت الآية عليه.
أقصى ما في الباب : أن أفعال العباد قد تقع في بعض الأوقات ، بخلاف تقديراتهم. إلا أن كون الاسم حقيقة في جانب الثبوت ، يكفي في حصوله حصول ذلك المسمى في بعض الصور ، ولا يتوقف على حصول ذلك المسمى في كل الصور. وبالله التوفيق.
الحجة السادسة : قوله تعالى في أول سورة الفرقان : (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ