شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ ، وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ ، فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً) (١) وجه الاستدلال بهذه الآية : من وجهين :
الأول : إنه تعالى قال : (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ) وأفعال العباد : أشياء. فوجب كونه خالقا لها. ولا يمكن أن يكون المراد من هذا الخلق : التقدير. وإلا لصار الكلام هكذا : وقدر كل شيء فقدره تقديرا.
الثاني : إنه تعالى ذكر أولا قوله : (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ) فكأنه قيل : هب أنه لا شريك له في ملك السموات والأرض. ولكن لم لا يجوز أن يقال : العبيد يخلقون بعض الأشياء ، وهي أفعال أنفسهم؟ فذكر تعالى ما يزيل هذا الخيال. فقال : (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ. فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً) ولو لم يكن المراد ما ذكرناه ، لكان قوله : (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ) مغنيا عن قوله : (فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً).
الحجة السابعة : قوله تعالى : (هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللهِ ، يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ) (٢) فإن قيل : هذا يدل على أنه لا خالق غير الله يرزقنا من السماء ، ولا يدل على أنه لا خالق غير الله. سلمنا : أن هذه الآية تنافي إثبات خالق غير الله ، لكن العبد نسميه بالموجد والمحدث ، ولا نسميه بالخالق ، لأن الخلق عبارة عن التقدير العاري عن وجوه الخلل. وذلك في حق العبد محال.
والجواب عن الأول : إنه لو وجد خالق غير الله ، لوجد خالق غير الله يرزقنا من السماء ، لأنه يقال : رزق السلطان فلانا ، إذا أمكنه من التّصرف فيما جعله رزقا له. فكذا هاهنا ، الملائكة الذين هم سكان السموات ، إذا سعوا في إنزال الأمطار ، فقد مكنوا أهل الأرض من الانتفاع بها. إذا ثبت هذا فنقول : على مذهب الخصم : الملائكة يخلقون أفعال أنفسهم. وهم أيضا يرزقون أهل الأرض على التفسير الذي ذكرناه ، وحينئذ يلزم القطع بأنه وجد خالق غير الله
__________________
(١) الفرقان ، آية : ٢.
(٢) سورة فاطر ، آية : ٣.