يرزقنا من السماء ، فثبت : أنه لو كان العبد خالقا لأفعال نفسه ، لكان المحذور لازما.
والجواب عن الثاني : إن الخالق هو الموجد المقدر ، وكما أن الله تعالى يقدر بعلمه التام ، فكذلك العبد يقدر بحسب ظنه وخياله.
الحجة الثامنة : قوله تعالى : (وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ، لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً. وَهُمْ يُخْلَقُونَ) (١) ومعلوم : أنه قد دعى من دونه : المسيح ، والملائكة ، وفرعون ، ونمرود. وهذا النص يقتضي أن واحدا من هؤلاء لم يخلق شيئا. لأن قوله : (لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً) : نكرة في النفي ، فيفيد العموم. كما إذا قال الرجل : ما رأيت شيئا ، وما سمعت خبرا ، وما أكلت لقمة ، فإنه يفيد العموم. وأيضا : قوله : (وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) يفيد العموم في الكل. لأنا بينا في أصول الفقه : أن هذه الصفة تفيد العموم ، والمعتزلة يسلمون ذلك ، وعليه بنوا مذاهبهم في مسألة الوعيد.
الحجة التاسعة : قوله تعالى : (هذا خَلْقُ اللهِ. فَأَرُونِي ما ذا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ) (٢) والمراد من هذه الرؤية : العلم. لأن سياق الآية يدل على أن المراد منه : تميز ذات الله تعالى عن سائر الذوات بصفة الخالقية. وهذا التميز لا يحصل إلا إذا حملنا هذه الرؤية على العلم. وإذا ثبت هذا فنقول : لو كان الحيوان خالقا لفعل نفسه ، لوجب أن يقول الكفار عند سماع هذه الآيات : إنا قد خلقنا الإرادات والكراهات والخواطر والحركات والسكنات ، فلما لم يقل أحد من الكفار ذلك ، علمنا أنه لا خالق إلا الله.
فإن قالوا : العبد ليس خالقا لفعل نفسه ، وإن كان موجدا لها. فالجواب : ما سبق. وبالله التوفيق.
الحجة العاشرة : قوله تعالى : (وَاللهُ خَلَقَكُمْ. وَما تَعْمَلُونَ) (٣) وجه
__________________
(١) سورة النحل ، آية : ٢٠.
(٢) سورة لقمان ، آية : ١١.
(٣) سورة الصافات ، آية : ٩٦.