الاستدلال : أن النحويين قالوا : لفظ «ما» مع ما بعده في تقدير المصدر. فقوله : (وَما تَعْمَلُونَ) معناه : وعملكم. وعلى هذا التقدير ، صار معنى الآية : والله خلقكم وخلق عملكم.
فإن قيل : هذه الآية حجة عليكم من وجوه :
الأول : إنه تعالى إنما ذكر هذه الآية توبيخا لهم على عبادة الأصنام ، لأنه تعالى بيّن أنه خالقهم وخالق لتلك الأصنام ، والخالق هو المستحق للعبادة دون المخلوق ، فلما تركوا عبادته ـ سبحانه ـ مع أنه خالقهم. ثم عبدوا الأصنام ، لا جرم أنه ـ سبحانه ـ وبّخهم على هذا الخطأ العظيم. فقال : (أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ (١). وَاللهُ خَلَقَكُمْ؟ وَما تَعْمَلُونَ)؟ ولو لم يكونوا فاعلين لأفعالهم وموجدين لها ، لما جاز توبيخهم عليها.
سلمنا : أن هذه الآية ليست حجة عليكم. لكن لا نسلم أنها حجة لكم.
أما قوله : «إن كلمة «ما» مع ما بعده في تقدير المصدر» قلنا : هذا ممنوع. وبيانه : أن «سيبويه» و «الأخفش» اختلفا في أنه هل يجوز أن يقال : أعجبني ما قمت. أي قيامك؟ فجوزه «سيبويه» ومنعه «الأخفش» وزعم : أن هذا لا يجوز إلا في الفعل المتعدي. وذلك يدل على أن «ما» مع ما بعده في تقدير المفعول عند «الأخفش».
سلمنا : أن ذلك قد يكون بمعنى المصدر ، لكنه أيضا قد يكون بمعنى المفعول. ويدل عليه وجوه :
الأول : قوله : (أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ؟) والمراد بقوله : (ما تَنْحِتُونَ) المنحوت. لا النحت ، لأنهم ما عبدوا النحت ، وإنما عبدوا الأصنام المنحوتة.
الثاني : قوله : (فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ) (٢) وليس المراد بها أنها
__________________
(١) سورة الصافات ، آية : ٩٥.
(٢) سورة الأعراف ، آية : ١١٧.