الثالث : إن لفظ الاسلام إذا ذكر خاليا عن الصلات ، أفاد الإيمان ، أما إذا قرن بحرف اللام ، كقوله : (مُسْلِمَيْنِ لَكَ) فالمراد الاستسلام والانقياد والرضا ، بكل ما قضاه الله. فيحتمل : أن يكون المراد بقوله : (اجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ) : ما ذكرناه. والله أعلم.
وقوله : «الدلائل العقلية دلت على امتناع وقوع الفعل بخلق الله تعالى ، وهي في فصل المدح والذم» قلنا : دلائلنا العقلية أقوى وأجلى ـ على ما سبق تقريره.
الحجة الثانية : قوله تعالى في آخر هذه الآية : (وَتُبْ عَلَيْنا. إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) (١) ولو كانت التوبة بخلق العبد ، لكان طلبها من الله جاريا مجرى أن يقول العبد : يا إلهي أفعل ما أنا فاعله.
فإن قيل : هذا معارض بما أن الله تعالى طلب التوبة منا. فقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللهِ تَوْبَةً نَصُوحاً) (٢) ولو كانت التوبة فعلا لله تعالى ، لكان طلبها من العبد محالا. ولما ثبت التعارض ، وجب التوفيق بينهما. فنحمل قوله تعالى : (وَتُبْ عَلَيْنا) على التوفيق ، وفعل الألطاف ، أو على أن الله تعالى يقبل التوبة من العبد.
والجواب : الترجيح معنا. لأن دليل العقل يقوي قولنا : إن التوبة لا تحصل إلا بخلق الله تعالى. وبيانه من وجهين :
الأول : إنا أقمنا الدلائل القاهرة على أن القادر يمتنع أن يصدر عنه الفعل إلا عند حصول الداعي ، وأقمنا الدلائل القاهرة على أن عند حصول الداعي المرجح يجب الفعل. إذا ثبت هذا فنقول : إنه تعالى عند ما لم يخلق للعبد داعية إلى التوبة ، امتنع صدور التوبة عنه ، ولما خلق فيه تلك الداعية ، وجب صدور التوبة عنه. وعلى هذا التقدير تكون التوبة إنما حصلت بتحصيل الله تعالى. إما بواسطة ، أو بغير واسطة.
__________________
(١) سورة البقرة ، آية : ١٢٨.
(٢) سورة التحريم ، آية : ٨.