وقوله : (رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ ، وَمِنْ ذُرِّيَّتِي) (١) ووجه الاستدلال : أنه أظهر الرغبة إلى الله تعالى في أن يجعل هوى الناس إلى «مكة».
والعقل أيضا يدل عليه. لأن تحصيل الإرادة في القلب ، إن كان من العبد ، لافتقر فيه إلى إرادة أخرى ، ولزم التسلسل. وإن كان من الله تعالى فهو المطلوب. وكل ذلك تصريح بأن أفعال العباد مخلوقة لله سبحانه.
الحجة الرابعة : قوله تعالى : (وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا) (٢) فإن قيل : عليه الأسئلة التي (٣) تقدم ذكرها في الحجة الأولى. فالذي نزيده هاهنا أن نقول : لم لا يجوز أن يكون المراد كونه رضيا في الخلقة والصورة. وهو كونه تام الخلقة ، صحيح الحواس ، كامل العقل ، شديد القوة ، طلق الوجه ، حسن الصورة ، موصوفا بالأخلاق الحميدة ، محبوبا بين الناس؟ وكل ذلك من أفعال الله تعالى.
والجواب : إن مقدمة الآية هي قوله : (يَرِثُنِي ، وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ) (٤) : وهذه الوراثة هي وراثة الدين والنبوة ، لا وراثة المال. ويدل عليه وجهان :
الأول : إن جمهور المفسرين قالوا بذلك.
والثاني : إن عمل مبالغة الرسول المعصوم وهو زكريا عليهالسلام على حفظ مصالح الدين ، أولى من عمله على حفظ مصالح الدنيا ، فثبت : أن المراد من قوله (يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ) وراثة الدين والنبوة. ثم إنه تعالى قال بعده : (وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا) فوجب أن يكون مراده منه : كونه رضيا في الدين. لأن حمل اللفظ المجمل على المذكور السابق ، أولى من حمله على الشيء الأجنبي.
__________________
(١) سورة ابراهيم ، آية : ٤٠.
(٢) سورة مريم ، آية : ٦.
(٣) فإن قيل الأسئلة ما تقدم ـ والذي ... الخ [الأصل]
(٤) سورة مريم ، آية : ٦.